/ صفحه 21/
وهكذا يقف هؤلاء من النبوة موقفا مناقضاً تمام المناقضة للأولين الذين ينكرونها، فبينما يغالى هؤلاء في النبي حتى يوشكوا أن يخرجوه عن بشريته; يغالى أولئك في إنكار ما منحه الله من قوة غير عادية تمكنه من تلقى الوحى عنه ووعيه وتبليغه للناس.
والله سبحانه وتعالى يرشد عباده الى واقع الأمر وحقيقته، ولا يرضى منهم أن يتجاوزوا هذا الواقع بالميل الى جانب هؤلاء أو اُولئك، وقد كان لسورة الأنعام عناية واضحة بهذا الأمر، فهي تبين شأن الرسول تارة على سبيل السلب بنفي شيء عنه، وتارة على سبيل الإيجاب بإثبات شيء له، وتارة على سبيل الحصر الجامع بين النفي والإثبات، وأحيانا بتصوير ما ينتاب الرسول من العوارض البشرية كالحزن والألم وضيق الصدر والحرج ومحاولة المجاملة لجذب الأقوياء انتفاعا بهم، ووشك الميل الى بعض ما يريدون، وأحياناً بتعليمه ما يردُّ به على المبطلين، وارشاده الى السلوك السليم في معاملة المخالفين والموافقين، وتسليته واستلال بواعث اليأس الذي يتعرض له بحكم بشريته، الى غيرذلك مما يريد الله به أن يبين للناس منزلة النبي وواقع أمره، حتى لا يخرجوا به عن وضعه، وحتى لا يخلطوا كما خلط الذين زعموا رسولهم ابن الإله، ثم لم يكفهم ذلك حتى كان فيهم من اتخذوه وأمه إلهين من دون الله، سبحانه وتعالى عما يشركون.
مهمة الرسول تنحصر في التبشير والإنذار:
تقول سورة ((الأنعام)) ((وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين، فمن آمن وأصلح فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون، والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون، قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إنى ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلىّ، قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون)).
بينت هذه الآيات مهمة الرسل، وأنها لا تتعدى التبشير والإنذار: التبشير بأن الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الذين يأمنون فلا يصيبهم خوف،