/ صفحه 209 /
قلت: على رسلك يا سيدي الشيخ، من كفر فعليه كفره، وليزيدنهم ربك طغيانا وكفرا، ومهما يكن شأن ملاحدة النصف الغربي من الكرة الأرضية فان أثر إلحادهم وتشككهم وتشكيكهم إلى آخر أوجه الفساد والإفساد في أمور العقيدة وغيرها من شؤون العباد، كان أثراً ضئيلا في الإسلام والمسلمين، فما كان سوادنا قط ولن يكون فيما أعتقد من أتباع الفلسفة الوضعية ولا غيرها من الفلسفات الجديدة، سواء اتصلت بالمعتقدات أو بالسيرة الاجتماعية: تستطيعون أن تتحدثوا عن فلان أو علان ممن خلبهم بريق الفوضوية الفكرية والخلقية من وجودية وغير وجودية من المذاهب الشاذة التي يعجز معتنقوها أنفسهم أن يدافعوا عنها، بل إن كثيرين منهم ليستحيون من أنهم إليها ينتمون، فلا تتبينهم إلا في مناسبات معينة كما كان المنافقون الأولون يستبينون على عهد الرسول الأمين إذا ذهب الخوف، أو بتعبير أعم إذا تحققت الحال التي يتأكد لهم معها أنه لن يلحقهم ضرر، ولن تفوتهم منفعة جراء ظهور نفاقهم، إن فلانا وعلانا وأضرابهما لا يمثلون إلا قلة قليلة في العالم الإسلامي كله لا يؤبه لها ولا يعتد بها. لست أعنى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأننا نحن المسلمين في أحسن حال، وإنما أعنى أن الذين فسدوا منا بسبب المعرفة الجاهلة أو سمها الجهالة المتعالمة قليلون يعدون على أصابع اليدين والرجلين، فأما الفساد العام الذي شمل الأمة جمعاء فان له علة وحيدة ليست فلسفة ولا شهوة ولا فاحشة أيا كان لونها مما تواطأت الناس على تسميته فواحش … علة وحيدة غفل المسلمون عنها ـ على خطورتها ـ مدى قرون طويلة أخذهم النوم فناموا عنها ثم ناموا وطاب لهم النوم فاستغرفوا فيه ثم استغرقوا، ولكن جماعة من جملة النائمين استيقظت آخر الأمر، وهي الان مشغولة وستظل مشغولة أبد الدهر أو يستيقظ النائمون فيصحوا ويصيحوا، أعنى أنهم يبرءون من داء النوم.
قال: ليس بمحاورك حاجة إلى الذكاء كي يدرك أنك لا تعني بتلك العلة الوحيدة غير تفرق الكلمة التي ما نهض الإسلام ولا استقام على طريقته إلا لأنها كانت مجتمعة.
قلت: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد