/ صفحه 210 /
خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون. هذا وعد بل عقد شبيه بذلك الذي اشترى به سبحانه وتعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فكل مؤمن تطيب نفسه عن بذلها وبذل ماله في سبيل الله له الجنة، وله أن يستبشر ببيعه الذي يقتضي ثمنه في الدار الآخرة، ولكن الإسلام دنيا قبل أن يكون أخرى، فكيف تنتظم أمورنا في الحياة الدنيا؟ ذلك هو محل الوعد أو العقد سألف الذكر إيمان وعمل صالح، ذانك هما الالتزامان اللذان شاء الله أن يلتزمهما المسلمون باعتبارهم هيئة اجتماعية، أعنى أنه تكليف للمجموع فإذا وفينا وأبرأنا الذمة فان المقابل هو الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين فيها وإبدال الخوف أمنا، وتالله لقد برئت الذمة، ونصر جنده وأنجز وعده. فكنا خلفاء الأرض وملأناها عدلا بعد أن أتى عليها الجور أو كاد قبل أن يكرم الله العباد برسالة النبي الأمي الذي وجده أهل الكتاب مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل، ويضرب الدهر من ضرباته فإذا الخلفاء مستخلف عليهم، وإذا الدين المتمكن موشك أن يتهدم، وإذا الأمن خوف والمسلمون يتخطفهم الناس من حولهم، أفليست هذه حالنا حقيقة لا مجازاً، فلماذا؟.
قال: الجواب يكاد يفصح عن نفسه دون حاجة إلى لسان أو قلم فاستمع إلى لسان الحال وخلاك ذم. فلماذا لماذا تلك التي قدمت؟ إنه عقد أو وعد نفذ واستمر تنفيذه حتى أخل به أحد الطرفين فكان جد طبعي أن يستعمل الطرف الآخر حقه فيقف التنفيذ. لابد إذا أن أحد الالتزامين أو كليهما ـ الإيمان والعمل الصالح ـ قد قصر أو وهن فليس من الجائز أن يخلف الله وعداً أو ينقض عقداً إلا أن يقتضي عدله الإلهي وقف التنفيذ أو ما هو أدهى وأمر.
قلت: كان أكثر المسلمين حتى في أيام خاتم الانبياء والمرسلين منطبقاً عليه قول أصدق القائلين: " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئاً " فليس شك في أن الناس المستكملة إنسيانيتهم قلة في كل زمان: وآدم نفسه عهد الله إليه فنسى: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما ".