/ صفحه 208/
حقائق ثابتة أثبتوها مقدمات جاءت نتائجها متوهمات يرفضها العقل بل ترفضها الفطرة قبل القياس العقلي كالشعر المكسور تمجه الغريزة الشعرية قبل وضعه في قالب التفاعيل … هذا على أنك تعرف في غير مشقة ولا عسر: النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة والنفس المطمئنة، فليت القوم نحوا هذا النحو وخلاهم ذم.
قلت: ولكن علم النفس ارتفع إلى منزلة ما كان لينزل عنها وحسبه أنه علم.
قال: كونه علما موضع نظر، أفليس أكثره نظريات لا يستطيع أصحابها أنفسهم الزعم بأنها ارتفعت إلى درجة القوانين؟
قلت: أفقرأتم ما كتبه أعلام علم النفس والتحليل النفسي وبخاصة ما كتبه (سيجمون فرويد).
قال: فهذا مثلا رجل التوت به الغريزة فرد كل التصرفات الإنسانية إلى الغرائز بل إلى غريزة معينة، مغفلا العقل أوسمه العقال إن شئت، فهو الذي يقفك أو يعقل غريزتك إذا انطلقت إلانطلاق الحيواني البهيمي ولكن صاحبك (فرويد) هذا ينطلق ملتوياً مع غريزته إلى حد الزعم بأن بني آدم ضحوا بالنفس والنفيس في سبيل أصول خلقية ليست في واقع الأمر إلا أوهاما، إنه ليأسف ويتألم لبني جنسه الذين خدعتهم القواعد الخلقية دهراً طويلا حتى شرفت طلعته السنية، هذه الإنسانية التي تعذبت حتى جاءها المخلص فرويد آخر الدهر أو لعلي أخطأت شخص المخلص، فعسى أن يكون آخر غير (فرويد) هو (أوجست كونت) صاحب الفلسفة الوضعية وإلغاء ما وراء الطبيعة، ومن يدري فلربما أخطأت في الثانية، فليس المخلص أوجست كونت ولا فرويد، وإنما هو صاحب الدعوة الكبرى (ماركس) ـ بهؤلاء وأمثالهم فتنت الإنسانية خلال القرنين الماضيين أو الثالثة فتنتها الكبرى، ولكن يبدو أن الغمامة منقشعة، فإن الرسل المزعومين الذين انبعثوا من تلقاء أنفسهم بعد بعثة خاتم النبيين محمد عليه صلوات الله والملائكة والناس أجمعين، أولئك الرسل كذب بعضهم بعضا، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، أولئك ذوو الآفات أرادوا الناس جميعاً على أن يكونوا زمني أمثالهم.