/ صفحه 207/
قال: ومع هذا كله يغفر الله سبحانه وتعالى لتأبط شراً ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما كان إجرامه ولا إشراكه لينقض حكما آخر جا ء في كتاب الله: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " وقد قتل تأبط شراً في الجاهلية، فهو من أهل الفترة الذين يعلم صبيان الكتاب أنهم ناجون من العذاب، وهذه مسألة تتناول تأبط شرا وكثييرين غيره وهو حسبنا اليوم وكفى: كانت حياته عفا الله عنه جافة حازمة قاسية لم تعرف الهزل ولا الدعة ولا النعمة أليس هو القائل: ـ
ولا أقول إذا ما خلة صرمت يا ويح نفسي من شوق وإشفاق
لكنما عولي إن كنت ذا عول على بصير بكسب المجد سباق
فأنت تراه لا يهمه وصل غانية ولا صرمها، إذا أمكنت الفرصة وواتت فبها ونعمت؛ وإلا فلا توجع ولا حسرة فهو لا يعول على امرأة وإنما على رجل بعيد الهمة بصير بكسب المجد سباق إليه.
قلت: أحسبها عقدة نفسية، فأنا أعلم أنه كان يتعشق جارية ويتعقبها فلا يسعفه الحظ، ثم قيض له شيطان ساقها إليه فجاءته هي تسعى اليه، جاءته تتهادى في استرخاء وتكاسل أو كما قال:
تمشي إليك مشية حوقلة كمشية الأرخ تريد العلة
يعني تمشى متباطئة متثنية مشية البقرة عائدة إلى المورد بعد أن نهلت فهي تريد العلة، ولكنه كان، مع بالغ أسفه غير مستعد للإستجابة فرجعت من حيث أتت، ولا والله ما نهلت ولا علت، وأحسبكم تروون الرجز الذي سجل فيه هذه الواقعة.
قال: نعم أرويه ولكني لا أرى فيه ولا في الواقعة ما يمكن أن يكون جرثومة عقدة نفسية، بل أنا بصفة عامة، لا أقبل ـ إلا متحرزاً كل التحرز ـ ما يقوله أصحاب علم النفس في العقد النفسية وغيرها من المسائل التي عرضوا لها وظنوا أنهم جلوها في حين أنهم أبهموها بل لقد افترضوا افتراضات ثم حجوها