/ صفحه 206 /
ألا ترون في " جحيش) هذه شيئاً بغيضا؟ فلست أدري ماذا يصيبني لو أنى واجهت رجلا أيداً بأنه جحيش؟.
قال: رويدك بعض سخريتك، فجحيش هذه تساوي (فريداً) فالكلمتان مترادفان فلماذا يغضب من تواجهه بأنه فريد. فريد في نوعه. فريد في علمه. فريد في حلمه أو فيما شئت؟ فالكلمة في ذاتها لا تتضمن قدحا ولا مدحا وإنما توجهها حيث شئت إذا خصصتها بإضافة أو غيرها. ألا وإن الصفات التي خلعها بأبط شراً على ابن عمه لحميدة جد حميدة. أدخل في حسبانك ظروف الزمان والمكان وما يترتب عليها من تحول في السلوك؛ تجد الصفة الشخصية هي هي ولو أخذت بالضرورة لون البيئة أو نشاط الوسط الاجتماعي. فشمس بن مالك مثلا رجل جلد، صبور، يقظ، متحرك أبداً ولو كان قد قدر له أن يعيش في أيامنا هذه، لكان رجل أعمال من الطراز الأول. يمسى في أوربا ويصبح في أمريكا ثم لا يلبث أن يستقل (نفاثة) تحمله إلى آسيا، ولكن الله خلقه في القرن السادس الميلادي لا في القرن العشرين، وفي البادية لا في مدينة أوروبية أو أمريكية فكان دأبه أن يستقل، بدل (النفاثة) العصرية، ناقة جمالية، وأن يرتاد، بدل المدن الآهلة الفلوات القاحلة. هو على أي حال نشاط تختلف أوجهه باختلاف الملابسات، فشمس بن مالك قد يصبح (فورد)، وفورد قد يصبح شمس بن مالك لو تبادلا ظروف الزمان والمكان.
قلت: خيال يسرح بنا أيما مسرح.
قال: أو يشطح بنا أيما مشطح، أو قل سمادير رمضان، ومرة أخرى لنعد إلى ما كنا فيه: إلى تأبط شراً عفا الله عنه.
قلت: كيف يعفو عنه، وهو ممن كانوا يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً، فهو لم يك إلا صعلوكا قاطع طريق، أكبر همه الجريمة، يأكل أموال الناس بالباطل، ويقتل النفس التي حرم الله. ثم هو قبل هذا كله مشرك، والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.