/ صفحه 205/
يقين من أنها مغتالة فريسة يقدمها إليها شمس بن مالك، هذا الوحش الآدمي المستأنس بالوحدة المستغني عن الدليل. اللهم إلا أن يكون الشمس أو المجرة فهو مهتد بما تهتدي به النجوم أو أمها.
قلت: له الله من جاهل يحسب الشمس أم النجوم، ولو أنه عرف ما يعرفه الآن تلاميذ المدارس الأولية، لعلم أن الشمس، بل المنظومة الشمسية مثلها، شئ حقير بالقياس إلى الشعري العبور أو أختها الغميصاء أو ما شاء من نجوم السماء التي يستطيع أصحاب الفلك أن يحدثوه عن عظمتها حديثاً حيقيقاً يعجز الخيال أن يرقى رقيه.
إن القافلة العلمية ما كانت لتسير إلا مجهزة بأجهزتها الفلكية وغيرها مما قد تدعو إليه الحاجة، وإذا كانت السلامة في جانب صاحبكم عشرا فهي في كنف أصحابي مائة عشر، ألا فلتسمح لي أن أخالف عن أمركم، وأن أستظل بظل العلماء وأتبعهم حيثما ارتحلوا وأينما حلوا.
قال: إلى حيث ألقت رحلها ام قشعم، أو إلى حيث طار الطائر الميمون فلست أدري. ذلك بأن السلامة والندامة لا ترتبطان لا بعلم ولا بجهل، ولكنه (القدر) فيما يعلم المؤمنون (والحتم) فيم يقولون الكافرون.
قلت: ولكني أوجه نظركم إلى موضع حديثنا … كنا في شمس بن مالك أو في الهجان الأوارك التي اهداها إلى ابن عمه تأبط شراً فكانت هبة بعوض، عوضها هذا الشعر الذي أنشدتمونيه وهأنذا أفكر فيه وفي القيم الإنسانية وكيف تتحول بها الأحوال. فما أحسب هذا المديح الذي هز عطف ابن مالك يرضى الان المتواضعين من الرجال … وإلا فمن ذا الذي يبعث كبرياءه في أيامنا هذه أن يقال له: إنه يستأنس بالوحشة، فاتك ما ينفك وراءه مطالب بدم، فهو يقظان هاجع عينه ربيئة قلبه، وقد يضطره مطاردوه إلى أن يعدو عدوا سريعا يسبق وفد الريح، فهو طريد شريد، يصبح في فلاة ويمسى في غيرها. ثم هو جحيش.