/ صفحه 193/
أخيلته ومعانيه من الأدب العربي القديم، ومنهم من جعل من الشعر الغربي نموذجا يترسمه.
ونلاحظ ان بعض الذين تخرجوا في هذه المدارس أسرفوا أحياناً في الزراية على الشعر العربي فجعلوا يتنقصون منهجه، ويبهرجون أسلوبه، ويسخرون من معانيه، بل غالى واحد منهم فجاء بما يدل على سذاجة في التفكير، جاء في مقدمة أحد الدواوين: " يقول ابن رشيق: وأكثر الناس على تفضيل اللفظ على المعنى، فإن المعاني موجودة في طباع الناس، يستوي فيها العالم والجاهل، ومع الأسف لا يزال يوجد إلى يومنا من يؤمِّن على هذا الكلام! ولعمري إن هذا القول وحده كفيل بتزييف الشعر العربي، وجعله مهزلة الشعر في كل اللغات ".
وهذه الجماعات وإن عملت على تشجيع الناشئين إلا أنها كانت تسرف أحياناً في تقدير ما ينتجون، ولقد درجوا على سنة من أسوأ السنن تلك هي التقاريظ الكثيرة التي تلحق بالدواوين، واكثرها يجاوز الحق والنقد الصحيح، ولو أنك قرأت ما يكتب من التقاريظ في ديوان من الدواوين لوقر في نفسك أن هذا الشاعر سيفتح في دنيا الأدب فتحاً جديداً، وأن الشهرة ضلت مكانته، وأن النقد غفل عن موضعه، فإذا شاء سوء حظك وقرأت بعض ما في الديوان من الشعر لم تملك نفسك من الضحك الساخر، أو من الألم المرير، ولقد مررت كثيراً بهذا التناقض قرأت مقدمة ديوان، فوجدت مقرظه يقول: " وبعد فان شاباً جاوز العقد الثاني من عمره بشهور يكون نموذجاً في الاداب العربية، ويفهم الشعر كما يجب أن يفهم لجدير أن تنتظر منه الاداب فيضا زاخراً تعب منه شراب الخلود وتطفر به إلى عليين " ثم قرأت أول قصيدة فإذا مطلعها:
بينما كنت سائراً وظلام الـ ليل ضارج بالبدر يوم التمام
لا تراني أردد الطرف في شي ءٍ سوى في ألاقة الأجسام
حتى في النقد الذي كانوا ينشرونه في الصحف والمجلات ترى المحاباة واضحة، وإذا لم تكن محاباة فهو أمر نشأ من ضعف حاسة النقد، هذا شاعر يقول إنه