/ صفحه 190/
من الثناء والتصفيق، وإني لعلى يقين من أن شعراء نايخافون من النقد كما يخاف الطفل من الغول، وليس ذلك لأن النقد سيهدمهم، أو يمحوهم من سجل الأدباء محواً، كلا، وإنما يكرهون النقد لأنهم لا يحبون أن يسمعوا إلا ما وقر في أنفسهم، وهو أن كل واحد منهم شاعر كبير، وأديب خطير، ولكن مع ذلك سنمضي.
* * *
كثر الشعر في الفترة الاخيرة كثرة جعلتنا نصدق ما يروي عن أبي ضمضم، قال الأصمعي: جاء فتيان إلى أبي ضمضم بعد العشاء فقال لهم: ما جاء بكم يا خبثاء؟ قالوا: جئناك نتحدث، قال: كذبتم. قلتم كبر الشيخ، وتبلغته السن، عسى أن نأخذ عليه سقطة، فأنشدهم لمائة شاعر، كلهم اسمه عمرو. قال الأصمعي: فعددت أنا وخلف الأحمر، فلم نقدر على أكثر من ثلاثين، قال ابن قتيبة ـ وهو ناقل الحديث ـ هذا ما حفظه أبو ضمضم، ولم يكن أروى الناس، وما أبعد أن يكون من لا يعرفه من المسمين بهذا الاسم أكثر ممن عرفه (1). وجعلنا نصدق ما يروى من أن مدينة (شِلب) بالاندلس لم يبق من أهلها أحد إلا قال الشعر رجالا ونساء.
نعم: كثر الشعر كثرة عظيمة، فأنا منذ خمس وعشرين سنة لا أكاد أفتح مجلة أو صحيفة حتى أجد شاعراً جديداً، أو شعراً جديداً، وهؤلاء الذين نقرأ لهم عدد قليل بالاضافة إلى من لم يستطيعوا أو لم يريدوا أن يظهروا، وحسبك أن مدرسة من المدارس ألفت فيها أسرة للشعر فكان عدد أعضائها ثلاثين، فإذا كان هذا عدد الأعضاء في مدرسة قليلة الطلاب فما عسى أن يكون الشعراء فيها؟
وقد تحدث الناس بعد موت شوقي بأن ميدان الشعر خلا بموت الشاعرين الكبيرين شوقي وحافظ، ولكن هذا الحديث لم يعجب شعراءنا النابغين، فانتهز الشاعر أحمد الكاشف فرصة إقامة موسم للشعر، وصاح فيه:
ــــــــــ
(1) الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 6.