/ صفحه 189/
الصحافة على هذا الاتجاه بما تضطر إليه كتابها من العجلة، التي تدعو إلى التخلي عن الدراسة الهادئة الرزينة، والأسلوب المتأنق المصقول.
وهذه الدعوة التي نادى بها بعض المحدثين في النثر، نادى بها جماعة آخرون في الشعر أيضا، ولا سيما النقاد اللبنانيون، وشعراء المهجر، فلا بأس عندهم، بل الواجب، أن يستعمل الشاعر من الألفاظ ما يوضح معناه، ولو لجأ إلى اللفظ الضعيف أو الملحون، لأنه ـ كما يزعمون ـ ما دام الغرض الإفهام، فكل لفظ معبر كاف، وينصح أحدهم في اطمئنان وتحمس قائلا للشاعر: " كن كيف شئت إلا اثنتين فلا تقربهما أبداً: النحو واللغة " (1).
والشعراء ـ الآن ـ يحافظون كثيرا على النحو واللغة، ومع ذلك فإننا نستطيع أن نقول في الشعر والشعراء مقالة الأستاذ الزيات في الكتابة والكتاب، بل لعل مقالتنا تكون أكثر تشاؤما، وأشد مرارة، فما بالنا إذا رأينا الشعراء قد استمعوا إلى هذه النصائح الغالية، ولم يبالوا باللحن، ولا بقوانين اللغة في صوغ مفرداتها؟.
وقد رأينا من الأدباء النقاد من يدعو إلى أن ننثر الزهر على موكب الشباب، بدل أن نرجمه بالحجارة، وأن الشيوخ قد استوفوا حقهم من الثناء، فعلينا أن نوفي الشباب حقهم، وأن نأخذ بأيديهم، وهذا مقصد جميل لو أن شعراءنا الناشئين كانوا في حاجة إلى الزهر ينثر على موكبهم، فقد استغنوا عن ذلك بما اضفوا على أنفسهم من ألقاب، وما غمروها به من ثناء، فما من شاعر ظهر إلا وهو يعد نفسه في الذروة من شعراء العالم، ففيهم غرور تضيق به النفس، ويحرج منه الصدر، وفيهم ـ كما يقول الدكتور طه حسين ـ كبرياء لا تخلو من سخف، ومن سخف يذكرنا بأخلاق الأطفال، فهم إن كتبوا رأوا لأنفسهم العصمة، ولم ينتظروا من النقاد إلا ثناء وحمداً.
وعندي أن النقد الخالص النزيه قد يكون أنجح علاجا، وأحسن عاقبة

ــــــــــ
(1) مجددون ومجترون لمارون عبود ص 8.