/ صفحه 186/
الصواب، ومن أمثلة هذا مخالفة ابن تيمية وابن القيم لجميع مذاهب أهل السنة في مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد، وأخذهم بمذهب الامامية الذين لا يوقعون به إلا طلقة واحدة، لأن الدليل معهم، وقد كان لبعض العلماء المعاصرين يوم قرر قانون الأحوال الشخصية في مصر الأخذ بمذهب الامامية في ذلك، ضجة كبرى، لأن المذاهب الأربعة توقع الطلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثا، وقد استقر أمر الناس عليها حتى اعتبرها العامة والخاصة مسألة في صف المسائل الاساسية، فكان هذا القانون سبباً في قيام اعتراضات كثيرة ومناقشات متعددة، ثم استقر أمره وصار العمل عليه، وهجر رأي المذاهب الاربعة وما يوافقها في ذلك، ولم يعد أحد يهتم بهذا أو يراه حدثا في الإسلام.
الأمر الثاني: أن كلا من الاتفاق والاختلاف أمر لازم لا مناص منه، فلا يمكننا ان نتصور المسلمين أو أية أمة من الأمم متفقين في كل شئ، ولا أن نتصور هؤلاء وأولئك مختلفين في كل شئ، ولكن الذي هو واقع فعلا، ولا مناص من أن يقع، هو أن الأمة الواحدة لها مواضع كثيرة تتفق عليها، وهي التي ربطت بينها وجعلتها أمة واحدة، ولها مع ذلك مواضع كثيرة تختلف فيها لاختلاف العقول والمصالح والأدلة بينها، وهي بحكم اتفاقها فيما اتفقت فيه أمة واحدة، وبحكم اختلافها فيما اختلفت فيه مذاهب متعددة، والمذهبية الخاصة لا تخرج أهلها عن كونهم من الامة، ولا تعطيهم في نفس الوقت قربا أو نسبة في القرب من الدين ليست لأصحاب مذهب آخر ومن ثم لا يستطيع منصف أن يقول: إن مذهبي حق كله وصواب كله ومذهب غيري باطل كله وخطأ كله، ولكن يقول أن هذا هو ما رأيته بحسب فهمي واجتهادي وما علمته، فأنا أرجحه ولا أقطع به، ويحتمل أن يكون ما رآه غيري هو الحق والصواب، ولست مكلفاً إلا بما وصلت اليه، وليس مخالفي مكلفاً إلا بما وصل هو أيضا إليه.
وقد اشتهرت في هذا المعنى عبارة جيدة تصور اختلاف المختلفين المنصفين لأنفسهم وغيرهم، إذ تقول بلسان كل مجتهد: " مذهبي صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب ".