/ صفحه 185/
وقد جاء في فروع باب التعزير من كتاب (الدر المختار): " ارتحل إلى مذهب الشافعي يعزر " وقرروا أن ليس للإنسان إذا قلد مذهبا معينا ـ ولابد له أن يقلد ـ أن يقلد غير هذا المذهب في بعض الوقائع إلا بشروط، وقرروا أن ليس للمتأخر أن يبحث أو يرجح فيم بحثه المتقدم أو رجحه، الخ (1).
وليس هذا صحيحاً، وإنما قاله بعض المتأخرين حينما تحكمت فيهم روح الخلاف، وملكتهم العصبية المذهبية، فراحوا يضعون من القوانين ما يمنع الناس من الخروج عن مذاهبهم، وانتقلت المذاهب بهذا الوضع عن أن تكون أفهاماً يصح أن تناقش فترد أو تقبل إلى التزامات دينية لا يجوز لمن نشأ فيها أن يخالفها أو يعتنق غيرها (2).
وقد وصف الشيخ عزالدين بن عبد السلام موقف هؤلاء المتأخرين فقال: " ومن العجب العجاب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه يبحث لا يجد لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده، ويترك من شهد له الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده " ثم قال: " لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقيد بمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين، إلى ان ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين، فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الادلة مقلدا له فيما قال كأنه نبي أرسل، وهذا نأى عن الحق، وبعد عن الصواب، لا يرضى به أحد من ذوى الألباب.
وقد عهدنا العلماء الراسخين يتبعون الدليل من أي أفق ظهر، ولا يعبأون بمخالفة مذاهبهم، فقد يخالف الحنفي الحنفي، وقد يخالف الشافعي الشافعي، وقد يخالف الامامي الامامي، وقد ينتصر العالم لرأي في غير مذهبه لأنه يراه

ــــــــــ
(1) انظر مقارنة المذاهب لفضيلتي الاستاذين الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد علي السايس ص 3، وما بعدها.
(2) انظر مقارنة المذاهب لفضيلتي الاستاذين الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد علي السايس ص 3، وما بعدها.