/ صفحه 184/
منها أن الغاصب إذا ضمن قيمة المغصوب ثم ظهر المغصوب فهو له، لأنه ملكه بالضمان، فاستند ملكه إلى وقت وجوب الضمان عند علمائنا، وعند الإمام القرشي ابي عبد الله الشافعي لا يكون له المضمون ملكا والمغصوب منه إذا أخذ القيمة كان عليه رد القيمة وأخذ المضمون من الغاصب، لأن الغاصب لا يمكله … ومنها إذا غصب حنطة فطحنها ملكها، لأنه عجز عن ردها بعينها، فأشبه فواتها من يده فضمن مثلها ضمانا مستقراً لا موقوفا فملك المطحون، لأن الملك يتبع سابقة وجوب الضمان عندنا، فإن قيل ما الدليل على انه عجز عن ردها بعينها، ودقيقها عينها، قيل له: الدقيق غير الحنطة اسما وحكما ولونا وصورة، وعند الإمام أبي عبد الله الشافعي لا يملك ذلك الطحين بالطحن.
ومنها إذا غصب ساجة فأدخلها في بنيانه وفي نزعها ضرر لصاحب الينيان ملكها صاحب البناء عندنا، لوجوب الضمان اللازم عندنا له بالملك المستقر في ذمته، وعند أبي عبد الله لا يملك الساجة، ويجب عليه نزعها. أ هـ.
* * *
4 ـ ويتبين من هذا كله أمران:
أحدهما: أن الخلاف بين المسلمين في المسائل الخلافية من كلامية وفقهية ليس أساسه ـ إذا أرجعناه إلى مراجعه الأولى ـ أن هؤلاء سنة وهؤلاء شيعة، أو أن هؤلاء حنفية، وهؤلاء شافعية أو مالكية … ألخ، أو أن القائل بكذا أشعري والمخالف له معتزلي. إلى غير ذلك، ولكن أساسه هو اختلاف النظر والتقدير وما ترجح عند كل فريق، ثم جاء الأتباع فورثوا هذا عن المتبوعين وتعصبوا له، ووجد من متأخريهم من يصور المذهبية على أنها التزام لمذهب معين، فما دام الإنسان قد اختار ان يكون حنفياً مثلا، فليس له أن يعمل بمذهب غير الحنفية، وإذا كان عالما بالفقه كان عليه أن يدور في فلك الحنفية فيخرج أقوالهم ويدافع عنها، ويجتهد في إبطال آراء الآخرين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وتفرع على ذلك أنهم قرروا أن من قلد مذهبا ليس له أن ينتقل إلى غيره،