/ صفحه 175/
وفي العمل بالعقل، وفي كون الزيادة على ما في الكتاب نسخا، وفي تقديم أحاديث الآحاد أو أقوال الصحابة على القياس، إلى غير ذلك.
2 ـ والحكمة في ورود هذين النوعين من الأحكام في الشريعة الإسلامية: أن أمر الناس لا يصلح إذا جاءت الأحكام والمسائل كلها على نمط واحد: فلا يصلح في أمور العقائد وأصول الدين أن يترك الناس لعقولهم وأفهامهم وظنونهم، كما لا يصلح ذلك في حقائق العبادات وصورها ورسومها، ولا في أصول المعاملات التي تقوم عليها، فكان من رحمة الله بالناس أن وقاهم شر التفرق فيها، ورسم لهم دائرة محدودة واضحة المعالم، يعرف من دخلها ومن خرج عنها، وسما بالحقائق الواقعة عن أن تكون محل خلاف أو تنازع ـ أما الفروع التي لا يضر الاختلاف فيها، سواء أكانت في الجوانب النظرية ام في الجوانب العملية، فلم يكن يصلح امر الناس على توحيدها، ولو أنها وحدت لجمدت العقول، ولا صطدمت الشريعة في كل زمان ومكان بما يجد للناس من صور المعاملات، وبما لا بد منه من مراعاة المصالح، ودرء المفاسد، لذلك كان من رحمة الله بالناس وحكمته في التشريع لهم، ان يفتح للعقول مجال النظر، وأن يجعل من ذلك مددا لا ينضب معينه لما يجد من القضايا والصور، ولما تساير به الشريعة المصالح (1).
3 ـ وهذا التقسيم الذي ذكرناه مسلم على الجملة لدى جميع علماء الإسلام في مختلف المذاهب، لا تكاد تجد فيه خلافا بين سني وشيعي، ولا بين أشعري ومعتزلي، ولكن يوجد كثيراً من يبالغ في مسألة من المسائل الخلافية الكلامية أو الفقهية فيلحقها ـ اشتباهاً أو تعصباً ـ بالمسائل القطعية التي لا يجوز الخروج عنها، ويترتب على ذلك أن يرمي مخالفيه عنها بأنهم أهل بدعة أو ضلال أو هوى أو غير ذلك من الأوصاف التي تسوق إليها الحماسة والعاطفة المذهبية.
ــــــــــ
(1) راجع في ذلك رسالة " نقط على الحروف " لسماحة الأستاذ الشيخ محمد التقي القمي " وتجدها كذلك في مجلة " رسالة الإسلام " ص 377 من المجلد الخامس.