/ صفحه 176/
ومن أمثلة هذا:
أ ـ في جانب المعارف الكلامية:
1 ـ اختلاف النظر في شأن " القضاء والقدر " (1): فمن الناس من تأملوا في القرآن والاحاديث فوجدوا فيها أشياء ظاهرها الإجبار والإكراه، كقوله تعالى: " ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ". " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " وكقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه " فبنوا من هذا النوع أن العبد مجبر ليس له شئ من الاستطاعة.
ومن الناس من نظروا إلى آيات أخر، وأحاديث أخر، تدل على أن العبد مستطيع مفوض أمره إليه يفعل ما يشاء، كقوله تعالى: " ولا يرضى لعباده الكفر:. " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " ثم بنوا من هذا النوع مقالة ثانية أصلوها على أن العبد مخير مفوض إليه أمره يفعل ما يشاء، ثم عمدت كل طائفة من هاتين إلى ما خالف مذهبها من الآيات والاحاديث فأولته ما أمكنها التأويل، وردت منه ما استطاعت رده.
وطائفة ثالثة توسطت فجمعت بين مشيئة العبد ومشيئة الرب، على معنى أن للعبد مشيئة ولكنها لا تتم إلا بمشيئة ربه، وذلك أخذاً من مثل قوله تعالى: " وما تشاءون إلا أن يشاء الله ". " ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا " ومن مثل ما روى عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه من ان رجلا سأله: هل العباد مجبرون؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر عبده على معصية ثم يعذبه عليها. فقال له السائل: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال جعفر: الله أعز من أن يجوز في ملكه ما لا يريد، فقال السائل: فكيف الامر إذن؟ فقال جعفر:

ــــــــــ
(1) راجع في ذلك كتاب " الإنصاف " للبطليوسي ص 83 وما بعدها.