/ صفحه 17/
نقول لهؤلاء: أما نبوة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فقد ثبتت بمعجزته القاطعة التي هي هذا القرآن الكريم، فلا يمكن لعقل من العقول أن يجوّز صدور هذا الكتاب المحكم من شخص نشأ يتيما فقيراً أمياً في بيئة مشركة جاهلية لم تُعرَفْ بما عُرفت به الأمم الكبرى في عصرها من العلوم والنظم، وقد كان العالم في عهد هذا الأمىّ اليتيم مضطربا أشد الاضطراب، وكان رجال الأديان فيه مختلفين أشد الاختلاف، فكانت البيئة القريبة لهذا الأمى بيئة شرك ووثنية، وكانت البيئة البعيدة منه بيئة خلاف وتنافس على السلطتين: الدينية والزمنية، فمن أين له هذا الكتاب المحكم الذي اشتمل على مبادىء الإصلاح العالمى كلها، والذي لم يستطع العلم في أزهى عصوره أن يهدم حقيقة من الحقائق التي جاء بها، إن القرآن الكريم قد تحدّى العرب ببلاغته وقوة بيانه فعجزوا، ولكنه أيضاً تحدّى الزمان كله بخلوده وصحته، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتحدى النّاس في كل عصر، فلم يستطع أحد أن يزعم أنه من وضع البشر، اللهم إلا الذين لم يتذوقوه ولم يتدبروه، أو الذين ينكرون الحقائق الواضحة تعصبا عليها
وإذا ثبت بهذا الذي أجملناه أن القرآن الكريم دليل على صدق محمد، وآية إلهية من الله للناس، فإن جميع النبوات تثبت به: نبوة محمّد، ونبوة الأنبياء قبل محمد.
هذا إجمال، أما تفصيل الكلام في دلالة القرآن على صدق محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في أنه مرسل من ربه، فإنه يطول وليس هذا موضعه، فإنما أردنا هنا أن نثبت الوحى، وأن نبين أن ذلك يؤخذ من قوله تعالى: ((وما قدروا الله حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء)).
سر الاكتفاء بدليل إجمالى:
وقبل أن ننتقل من هذه النقطة; ينبغي أن نتعرف السر الذي جعل القول في دليل الوحى والرسالة يأتي مجملا مركزا على هذا النحو، فنقول: