/ صفحه 16/
النّاس لعقولهم ولم تُهْد هذه العقول بالشرائع لاختلفوا اختلافا كثيراً، ولما كادوا يلتقون على مذهب في الحياة يدينون به وينزلون على حكمه، وهذه هي المذاهب الإنسانية التي ابتكرتها العقول تحير الناس، وتقسيم المشكلات وتعجز عن الحلول، وتدفع إلى الحروب المدمرة ثمرات البشرية من أرواح وأموال ومنشآت، فهل أغنى عن الإنسان عقله، وهل سعدت البشرية بعد انطلاقها من دائرة الدين والوحي والرسالات إلى دائرة النازية أو الفاشية أو الشيوعية أو الرأسمالية؟.
والخلاصة أن العقل كما يقولون جوهرة نورانية، وهبة إلهية وهبها الله عباده وجعلهم بها أكرم خلقه، كلُّ ذلك مسلم ولا شك فيه، ولا ينبغي أن ينكر العقل أو يرفض حكمه، ولكن العقل مع ذلك محدود لأنه مخلوق وكل مخلوق محدود، فيجب ألا نتجاوز به حدوده، وإلا كنا مخالفين له.
وإذن فحكمة الحكيم، ورحمة الرحيم، تقتضيان ألا يترك الإنسان لمجرد العقل وأنه لابد للأرض من هداية السماء، ولو قدروا الله حقّ قدره، وعرفوه حقّ معرفته لما أنكروا هذه الحقيقة.
القرآن يثبت نبوة محمد والأنبياء قبله:
وشيء آخر في هذا المقام يجب أن نجليه حتى ينكشف كل ظل من ظلال الشبهة على الوحى والرسالة، فإنى لأعرف أن كثيرا من النّاس تحوك في صدورهم بعض الشبه ولا يستطيعون أن يفضوا بها، أو يسألوا عنها، إما حياء وإما خوفا فمن الخير أن نكاشفهم بما في نفوسهم لنجلوَه عنهم، وتطهر منه قلوبهم، وبالله التوفيق:
إن بعض الناس يقول: هبنا سلمنا أن الوحى ممكن، وأنه متفق مع الحكمة، وأن الإنسان لا يستغني بالعقل، فهل هذا يدل على صدق الرسل الذين ادعوا أنهم جاءوا بالرسالات؟ هل هذا يدل على أن موسى وعيسى ومحمّداً وغيرهم كانوا رسلا في الواقع كما ادعوا؟ إن جواز حصول الشيء لا يستلزم أنه وقع فعلا، فيبقى أن يقوم الدليل على أن هذه النبوات واقعة.