/ صفحه 15/
الرد عليها:
هكذا يقول منكرو الوحى اكتفاء بالعقل، وبتعبير أدق: هذا ما يمكن أن يقولوه أو ما يُعبّر به عن شبهتهم، فهل أصابوا شاكلة الصواب؟ كلا إنهم أحسنوا الظن بالعقل الإنساني حتى جعلوه رسولا هادياً، وقبساً منيراً، وجعلوا أثره كتاباً وافياً، ودستوراً شافياً، وهذا إيمان بالعقل، وإن العقل لجدير بأن يكرّم حقاً وبه كان تكريم الإنسان، ولكننا شهدنا كيف تختلف العقول وتتفاوت، وكيف يرى بعضها الشيء خيراً ويراه بعضها شراً، وكيف تختلف لديها موازين الفضيلة والرذيلة، وكيف تتحكم فيها الأهواء والشهوات فتلوِّن أحكامها، وتؤثر في إدراكها للأمور، وكيف يعميها التعصب فترى الحق باطلا والباطل حقاً، وكيف تخدعها العادة المألوفة كما تخدع الحواس الظاهرة فتخيِّل لها الأوهامَ حقائق، فهل يترك الله خلقه لعقولهم فحسب، أو تقتضي حكمته ورحمته وربوبيته أن يهدى هذه العقول، ويحكم على اتجاهاتها المختلفة حكمه الفاصل بين ما هو رشد وما هو غىّ في ثوب رشد؟ هل
يترك الله الإنسان لعقله فحسب فيصطدم الناس بعضهم ببعض في الحقائق والأحكام والنوازل كل يُحَكم فيها عقله وما رآه، ويعتقد المصيب وغيره المخطىء، وأنه المحِقّ وغيره المبطل، أو الخير كل الخير، والحكمة كل الحكم أن يضبِط بالوحى والرسالات ما هو حق وما هو باطل، وأن يلزم الناس حكما فصلا يدرأ الخلاف، ويقضى على الخصومات، ويقر الأوضاع السليمة؟
إن النّاس متساوون، وقد ألف المتساوون ألا يخضع بعضهم لبعض خضوعا قلبياً صادقا، فلابد من قوة علينا يخضعون لها جميعاً، ويرضون بها جميعاً، قوة تحسم وتحكم وتُقبَل مقاييسُها، ويرجع إليها المختلفون، ولابد أن تكون هذه القوة العليا إلهية، فالإنسان خاضع للإله الذي خلقه، خاضع له جسما ومادة وروحا، فيجب أن يكون خاضعاً له توجيهاً وتشريعاً، وبغير ذلك يكون الإنسان متعدياً طوره، خارجا على طبيعته ومقتضى خلقته وبشريته. ولو ترك