/ صفحه 156/
الفردية فيما بينهم ألغوا كذلك نطام الرق: فجميع أفراد جماعتهم كانوا أحراراً متساوين، وقد حرموا على أنفسهم الاشتغال بالتجارة لما تبعثه في النفوس من جشع وحرص على جمع المال وجنوح الى ابتزاز أموال الناس. ويذكرنا هذا بما يذهب اليه ابن خلدون اذ يقرر: ((أن أخلاق التجار نازلة عن خلق الاشراف))(2). و حرموا كذلك على أنفسهم الاشتغال بصناعة الاسلحة والذخيرة وسائر آلات
ــــــــــ
1- انقسم بنو اسرائيل من الناحية الدينية الى ثلاث فرق: فرقة الفروشبين (فروشيم Pharisiens); وفرقة الصادوفيين (صادوفيم Saducةens); وفرقة الحسديين (حسديم Essةniens). ومعنى ((حسديم)) المشفقون (الياء والميم علامة الجمع في العبرية). وقد امتازت هذه الفرقة عن سائر فرق اليهود في الشئون الدينية بالاكثار من الغسل والوضوء وبتحريمهم تقديم الاضحية والقرابين. هذا، وقد وصلت الينا أخبار هذه الفرقة عن طريق ما كتبه فيلون الفيلسوف Philon و يوسف المؤرخ Joseph; وكلاهما من رجال القرن الاول الميلادى.
2- مقدمة ابن خلدون ص 435 طبع مطبعة التقدم.

الحرب لتنافر الغاية التي تقصد من هذه الصناعات مع أهم مبادئهم وهو أن يعيش العالم في سلام دائم. ولذلك اقتصرت أعمالهم على الزراعة والصيد وما يحتاجان اليه ويتصل بهما من صناعات واقتضت مبادئهم في التقشف والزهد أن يحرموا على أنفسهم استخدام الذهب والفضة واقتناءهما والتعامل بهما. وبالغ معظمهم في تطبيق هذه المبادىء فحرموا على أنفسهم الزواج.
* * *
وأما أبوذرالغفارى فقد بدأ دعوته الاشتراكية في الشام أيام كان معاوية بن أبى سفيان والياً عليها من قبل عثمان، فقد هاله ما كان يفعله معاوية اذ يحتجز أموال المسلمين لنفسه يصرفها على أبهته وخدمه حراسه وأهله وما كان يظهر به من محاكاة القياصرة والملوك، وما وصل اليه حال الاغنياء من الترف والبذخ واقتناء القصور والضياع واكتناز الاموال واغفال حقوق السائلين والمحرومين في أموالهم. فهبّ يندد بهذه الحال، ويبيّن مبلغ انحرافها عن مبادىء الاسلام، ويدعو الناس كافة الى الزهد في الدنيا، والعزوف عن ماديات الحياة، ويدعو الاغنياء خاصة الى أن ينفقوا جميع ما فضل من أموالهم عن ضروريات حياتهم في سبيل الله والبرّ بالفقراء والمساكين وذوى الحاجة، وينهاهم عن الترف والسرف واكتناز الاموال والترفع على المستضفين والفقراء من الناس، ويدعو الولاة الى أن يلتزموا حدود الله فيما يصل الى بيت المال فينفقوه في مصارفه التي فرض الله ورسوله أن تنفق فيها، ويعمل جاهداً على الرجوع بالمجتمع الإسلامي الى ما كان عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد أبى بكر وعمر.