/ صفحه 14/
ولا في السماء)) فهل يجوز أن يصدر من هذا الإنسان المحدود استبعادُ شيء من الممكنات العقلية على الله، وقد مكنه الله من الأرض ومن الحياة هذا التمكين؟
وبذلك يجب استبعاد هذا الاستبعاد، ويجب ألا ينسب للعلم أو العقل القول به أو الميل إليه.
الشبهة الثانية بلسان المنكرين المعاصرين:
ولننظر بعد ذلك في الجانب الآخر من الشبهة على الوحى، فإن بعض الناس يقول إن الله تعالى خلق الإنسان وألهمه العقل ليميز به الخير من الشر، والنافع من الضار. وما ينبغي أن يسلكه من السبل وما ينبغي أن يتركه، وبالعقل ارتفع الإنسان عن مستوى الحيوان، واستطاع على ما به من الضعف الجسمي أن يسخره ويستخدمه ويطوّعه، كما استطاع أن يجوب آفاق الدنيا وأن ينفذ بنور بصيرته إلى كل شيء، وها هوذا قد فرغ أو كاد من الأرض وما عليها واتجه بآماله إلى السماء يتطلع إلى أن يعلم علمها ويدرك أسرارها، ويقتحم كواكبها، فماذا بقي له حتى يحتاج إلى الوحى أو يستمد الهدى من كتاب ينزل أو نبي يرسل.
هل الأرض محتاجة إلى هداية السماء وفيها هذا القبس العلوي من نورالله وهو العقل; إن هؤلاء الذين قادوا البشرية في عهود الظلمات وسماهم الناسُ الأنبياء أو الرسل ما هم إلا عقلاء ممتازون قد صفت جواهر عقولهم، واتسعت آفاق تفكيرهم فرأوا بعين بصيرتهم ما لم يره الآخرون، ووفروا زماناً طويلاً كان على الأجيال أن تقطع حتى تصل إلى ما وصلوا إليه، وتعلم ما علموا، فلا شك أنهم نبغاء من نوابغ العقول، ولا شك أن ما رسموه لأممهم هو ثمرات طيبة من أزكى الثمرات العقلية ولا شك أن ذلك كله هبة من السماء، ولكن لا على معنى أن ملكا أوحى، أو كتاباً نزل أو رسولا بعث، بل على معنى أن الله وهب العقل لهذا الإنسان وجعله نوراً من نوره، وما الكتاب إلا سطور من هذا النور، وما الرسول إلا العقل فهو للناس بشير ونذير.