/ صفحه 146/
لبسوا لهم لباس الناصح الامين ومشوا بينهم بالنميمة وصاروا يخيفون بعضهم من بعض، والمسلمون لسذاجتهم لم يفطنوا الى هذه المداخل فصدقوهم فنشبت بينهم العداوات والحروب وتقطعت الاواصر:
شواجر أرماح تقطع بينهم * * * شواجر أرحام ملوم قطوعها
تقتّل من وتر أعزّ نفوسها * * * عليها بأيد ما تكاد تطيعها
وان المرء اذا درس تاريخ ملوك الطوائف بالاندلس رأى فيه صورة لما كان يحدث بين المسلمين، فقد استقل كل ملك بناحية، وكانت تقع بينهم الحروب فيستعين المغلوب على الغالب بملوك الفرنجة، وكانوا يعينونهم ليضعفوا الغالب فيسهل عليهم غلبه، وكانوا اذا اشتدت عليهم شوكة الفرنجة تطلعوا الى ملوك المسلمين بالمغرب، واستشفعوا بالاخوة الاسلامية فكانت تارة تعينهم وتارة تخذلهم: لقد استجار ملوك الطوائف بملوك المغرب فأغاثوهم وجهزوا لهم جيشاً من شمال افريقية، فعبر البحر، وقائل الفرنجة حتى هزمهم وفرّج الكرب عن سكان الاندلس من المسلمين، وكانت هذه الاخوة - أحياناً - تضعف فلا ينهض المسلمون لنجدة اخوانهم في الاندلس حتى استولى الفرنجة على بلاد الاندلس وأجلوا المسلمين عنها ومن بقى تنصر وفارق دينه ليستطيع العيش مع الفاتح الجديد، وان قصيدة أبى البقاء الرندى في رثاء الاندلس تشير الى ما قلناه، وهي التي يقول فيها:
هل عندكم نبأ من أهل أندلس * * * فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم * * * قتلى وأسرى فما يهتز إنسان
تلك المصيبة أنست ما تقدمها * * * وما لها مع طول الدهر نسيان
فيم التقاطع في الاسلام بينكم * * * وأنتم يا عباد الله اخوان
وهي قصيدة طويلة يجب أن تدرس في جميع مدارس المسلمين لتعرفهم قيمة الاخوة الاسلامية اذا حوفظ عليها ومقدار خسارة المسلمين اذا لم يحافظوا عليها.
ان أقل ما يصيبهم من خسارة أن تقطع بلدانهم بلداً بلداً، وقطراً قطراً، ثم يتبع