/ صفحه 13/
العلل والفروض؟ وأيُّ بُعد في أن يوحىَ الله إلى أحد من خلقه بوحى؟ وهل كل ما غاب عنا إدراكه وعجزت حواسنا عن تفهمه تنكره عقولنا؟ إننا نكشف كل يوم أسراراً في هذا الكون ما كنا من قبل نتصورها، ثم تصبح على غرابتها أموراً معروفة مألوفة، وإننا نرى الهبات الإلهية لا تقف عند الحد الذي تقبله إدراكاتنا المحدودة، فكم رأينا من عباقرة أفذاذ لا نظير لهم في بيئاتهم، ولا يجود التاريخ بمثلهم إلا في الحين بعد الحين، وكم رأينا من أفراد أوتوا قدرة عجيبة في ناحية من النواحي لا تعرف أسبابها، وأنا قد رأيت بنفسي غلاما من إحدى قرى ((البحيرة)) في مصر كانت له موهبة حسابية عجيبة، فهو يستطيع ـ مع أنه عامى جاهل ـ أن يستخرج حاصل ضرب عددين كل منهما مؤلف من عشرة أرقام في ثوان معدودة ولا يخطىء في ذلك، ويقال له إن فلاناً ولد في ساعة كذا من يوم كذا من عام كذا فما عمره بالدقائق فيجيب الإجابة الصحيحة في أقل من دقيقة بينما يعجز الحاسبون عن استخراج هذه الإجابة إلا بعد حساب طويل، ولست أريد أن أقول إن النبوة والرسالة شيء من ذلك أو يشبه ذلك، ولكن أضرب هذا مثلا لما أودعه الله الإنسان من قوى، وما يجود به على بعض عباده من مواهب لا يعرف سرها، ولا يدرك كنهها، فالله قادر وهاب، ولاحد على قدرته، ولا مانع لما أعطى، فهل يعجزه سبحانه أن يهيء بشراً أو ملكا بقوة فوق العادة يستطيع معها أن يتلقى عنه أوِ عن ملك تلقى عنه؟ إن الذي يقول باستحالة ذلك أو باستبعاده ينسى أن خلق الإنسان وتكوينه كله عجَب، ويكفى أن يفكر الإنسان في أنه كيف يفكر، ليعلم أن تفكيره من أعظم الآيات على قوة خالقه وقدرته وجوده الفياض، ثم من ذا الذي كان يظن أن في الذرة هذه القوة الكامنة، وأن في بعض رمال الصحراء التي ظلت ملايين السنين مهملة تذروها الرياح; ما عرف لها من الخواص وما تصلح له مما هدى الله إليه أهل العلم الحديث، ثم من ذا الذي يعرف مدى ما يصل إليه علم الناس وقدرة الناس في المستقبل وهم خَلق محدود العلم والقدرة، وفيهم يقول الله عزوجل: ((وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)). ((وما أنتم بمعجزين في الأرض