/ صفحه 133/
الاسلام بالمجتمعات الصغيرة وتقوية الروابط بين آحادها، ثم تقوية الروابط بينها وبين المجتمع الإسلامي الاكبر، وذلك لكيلا تكون المجتمعات الصغيرة طوائف يضرب بعضها بعضا، ويكون التنافر بين الطوائف بدل آن يكون بين الاحاد وهو أشد فتكا وأذى.
ومن هذه الوصايا التى من شأنها تقوية الروابط بالمجتمع الصغير، الوصية بالجار، فان الاسلام جعل من تلك العلاقة المادية ما هو طريق لعلاقة روحية بين المتجاورين، لا فرق بين جار مسلم، وجار غير مسلم، بل لا فرق بين جار موحد، وجار مشرك، وذلك لقوله تعالى: ((و اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، و بالوالدين احساناً، وبذى القربى واليتامى والمساكنى، والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم، ان الله لا يحب من كان مختالا فخوراً)).
وان الجار ليس هو القريب الملاصق فقط، ولكنه يشمل الحى كله، ولقد روى أن عائشة رضى الله عنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم، فقالت: ((ان لى جارين فالى أيهما أهدى؟ قال: الى أقربهما باباً)).
وان الاحسان الى الجار بالمودة والتعاون لايفرق بين جار مسلم وجار غير مسلم كما ذكرنا، ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم: ((الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وهو أدنى الجيران حقاً، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق، وهو أفضل الجيران حقاً، فأما الجار الذى له حق واحد فجار مشرك لا رحم له، له حق الجوار، وأما الجار الذى له حقان فجار مسلم له حق الاسلام وحق الجوار، وأما الذى له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم، له حق الجوار وحق الاسلام وحق الرحم)).
وان حرص الاسلام على ملاحظة حقوق الجوار، واتساع معنى الجوار حتى يشمل الحى كله - فيه دلالة على أن أهل كل حى يجب أن يكونوا متعاونين بحكم الجوار الذى كان من الدين وجوب رعايته، فيكون الارتباط بالخير بين الجيران، و من مجموع الجيران يتكون مجتمع صغير يربطه التعاون والمودة.