/ صفحه 132/
5- وان هذا العمل النبوى يشير الى أن أول ما ينبغى عمله فى اصلاح المجتمع الصغير هو بث روح التعاون والاخاء، واذا كان الذى أوجده النبى صلى الله عليه وسلم بوضعه الإسلامي الاول لايمكن تحققه على الوجه الذى صبغه النبى صلى الله عليه وسلم، لانه عمل نبى وأنى لاحد من البشر أن يعمل ما يعمل الانبياء، الا بقبسة من نورهم، ولان التوارث بالاخاء قد نسخ وبذلك فقد الاخاء المحمدى عنصراً من عناصر قوته، ولكن ان تعذر اخاء على النحو المحمدى فاخاء على نحو انسانى يليق بمجتمعنا، فيكون اخاء على نحو منه، وان لم يكن مثله وذلك بايجاد اخاء اقتصادى واجتماعى، ويكون بجماعات تعاونية تنظم الموارد، وتنظم المصادر، وتمد المحتاج وتعين على نوائب الدهر وتخفف ويلات المكلومين، وتنظم العلاقات المادية والادبية تنظيماً يجعل الضعيف قوياً بجماعته التعاونية، والفقير غنياً بأسرته الاقتصادية، وغير ذلك مما ينشئه التعاون الفاضل.
وان ذلك التعاون الاقتصادى كان بعض ما تضمنه الاخاء المحمدى، فان الانصار الذين آخوا المهاجرين آووهم الى منازلهم وأعانوهم حتى وجدوا لانفسهم مرتزقاً، بل عاونوهم فى ايجاد هذا المرتزق، ويرى فى ذلك أن عبدالرحمن بن عوف عندما نزل على أخيه الانصارى بمقتضى ذلك الاخاء الموثق المقدس أراد أن يشاطره الانصارى ما له، فأبى ابن عوف، وأخذ قدراً من المال على أنه دين، و كان تاجراً ماهراً يعرف كيف يكون الصفق فى الاسواق، وقد اتجر فيما أخذ من مال واكتسب منه كسباً وفيراً ثم رد لاخيه الانصارى ما اقترضه من فضل الكسب الذى كسبه، والخير الذى أدره الله عليه فى تجارته.
6- هذا عمل النبى صلى الله عليه وسلم فى الاخاء وما يصح أن يقبس منه، و ليس الاخاء المحمدى الا عقد تعاون روحى يصح أن يبنى عليه عقد التعاون المادى والروحى الذى يجب أن يسود القرى، وسائر المجتمعات الصغيرة.
وان القرآن الكريم لم يدع أمر اصلاح المجتمعات الصغيرة الى عقود التعاون و الاخاء فقط، بل أوصى بوصايا وقرر أحكاماً فيها ما يدل على عناية