/ صفحه 131/
طوائف: الاوس، والخزرج، واليهود، كان الاوس فى نزاع مع الخزرج، وكان كلاهما فى نفرة مع اليهود الذين يحاورونهم، وجاء رسول الله الى هذا المجتمع المتنافر بعنصر رابع، وهو المهاجرون الذين هاجروا معه.
فكان لابد من عمل لهذا المجتمع الصغير الذى سيكون نواة لحضارة فاضلة تعلن أهل الارض أن فى الامكان أن توجد مدينة فاضلة تحكم بالفضيلة، وتحارب بالفضيلة، وتعاهد بالفضيلة، وتمكث فى الارض تحكم بأمر الله ونهيه، وأن ابن الارض لايعجز عن أن ينفذ أحكام السماء جملة، وتفصيلا ان كان معه ارادة تقية فاضلة، وأن الدولة الفاضلة ليست حلماً من الاحلام، ولكنها حقيقة من الحقائق يستطيعها ابن آدم اذا أرادها، واعتزم مخلصاً أن يوجدها.
ابتدأ محمد فى اصلاح هذا المجتمع الصغير بالاخاء والتعاون، فآخى بين كل واحد من الاوس، وكل واحد من الخزرج، وآخى بين المهاجرين، وكانوا من بطون مختلفة،و آخى بين المهاجرين والاوس والخزرج، وهم الذين أطلق القرآن عليهم اسم الانصار فى مقابل كلمة المهاجرين، وبذلك ترابطت الجماعة كلها بمواثيق الاخاء والتعاون، وكان الاخ بحكم هذه العلاقة التى ربطها محمد صلى الله عليه و آله وسلم يحل له فى مال أخيه ما يستحله الاخ من النسب، وبمقتضى هذا الاخاء و الادماج زال ما كان بين الاوس والخزرج من نفرة، وزال ما بين القرشيين من تفاخر بالانساب، واعتزاز بما كان عليه آلاباء.
وكان ذلك التآخى قوياً بحكم الاسلام حتى انه كان يجرى بسببه التوارث بين المتآخيين، فتألفت به القلوب، واجتمعت على الحق نفوس كانت متنافرة بالباطل و فى الباطل، وكان هذا أعظم نعمة أنعم الله بها على أهل يثرب التى صارت من بعد: المدينة الفاضلة، ولقد قال سبحانه وتعالى فى هده النعمة التى أنعم بها عليهم: ((و اذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)).