/ صفحه 12/
عصور الفساد والضعف والبغى والطغيان، فيثور في نفسه على هذه الأوضاع، ويشتد مقته لها وتأمله في طريقة التخلص منها ثم يُفضى به ذلك التأمل العميق. والتفرغ الطويل، إلى حالة يَعْتقد معها أن العناية الإلهيه لا يمكن أن تدع أمور الناس تجري هذا المجرى، وأنه لابد للناس من منقذ، ثم ينتقل إلى مرحلة اُخرى هي مرحلة التطلع إلى أن يكون هو هذا المنقذ، ثم إلى مرحلة الاعتقاد بأنه اختير فعلا لهذه
الرسالة وتمتلىء نفسه بهذه العقيدة حتى يتصور أنه يسمع فيها وحياً، وأن ملكا يغاديه بها ويراوحه، وهو ليس بكاذب فيما يروى عن هذا الملك، لأن خياله يجسِّم له الأمر ولا يترك عنده ذرة من الشك فيه، ثم يستغرق في اعتقاد ذلك حتى يثبت في نفسه، ويوجد إرادته وجميع قواه إلى تحيق ما اعتقد أنه رسالته التي بعث بها، ويجد إلى جانبه من يؤمن به ويصدق كل ما يرويه عن عالم الغيب، ويخضع لأمره ونهيه،
ويزداد هؤلاء المؤمنون يوما بعد يوم، وتقوم إلى جانبهم معارضة فتقويهم وتجعلهم يتكاتفون حوله مخلصين غير مترددين ولا شاكين في أنهم على الحقّ، فهذا هو ما يسميه النّاس وحياً ورسالة، وهذا هو تصوير العلم له ـ يريدون علم النفس وماله من قواعد ـ
الرد عليها:
ومن الواضح أن هذا الذي يذكرونه ما هو إلا ظنون ومزاعم لا تستند إلى دليل عقلي تطمئن إلبه القلوب، ويرضاه المنصفون المحايدون، وأن الذي حملهم على ذلك هو استبعاد إنزال وحى من الله على من يصطفي من عباده، فهي نفس الشبهة التي كانت تراود سلفهم من أهل الشك والإنكار في عهود الرسالات وبعدها، غير أنهم فلسفوها والتمسوا الفروض لها والتعليل لأسبابها ودوافعها كأنها ظاهرة من الظواهر المادية التي تعودوا أن يطبقوا عليها هذا المنطق الخيالي الفرضي.
وسبيلنا في الرد على هؤلاء وبيان باطلهم أن نحجهم بما حج الله به المنكرين قبلهم فنقول لهم: على أي أساس بنيتم هذا الاستبعاد الذي أفضى بكم إلى التماس