/ صفحه 128/
فى الانفس والافاق، فى الطبائع البشرية وقت الشدة والرخاء. وتذكر ابراهيم و جملة من أبنائه وترشد الرسول الى اتباع هداهم وسلوك طريقهم فى احتمال المشاق وفى الصبر عليها. وتعرض لتصوير حال المكذبين يوم الحشر، وتفيض فى هذا بألوان مختلفة. ثم تعرض لكثير من تصرفاتهم التى دفعهم اليها شركهم فيما يختص بالتحليل والتحريم، وتقضى عليه بالتفنيد والابطال، وتبين خصوص ما حرّم الله من الاطعمة، وتعرض الى تقرير الشبهة البشريه التى علقت بالعقل الانسانى من قديم الزمان فيما يتعلق بالايمان والشرك، والطاعة والمعصية، أمام التكليف و القدر.
ثم تختم السورة بعد ذلك فى ربع كامل: ((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، الى آخره)) ببيان أن ما يدعوا اليه محمد عليه الصلاة والسلام، هو الوصايا التى نزلت فى كل الكتب السابقة ودعا اليها كل الانبياء السابقين; فهو لم يأت بجديد، ولا بما يناقض ما جاءت به الرسل ان كنتم طلاب ايمان وحق. وتنتهى الى آية فذة تكشف للانسان عن مركزه عند ربه فى هذه الحياة، وهو أنه خليفة فى الارض، وأن الله سبحانه جعل عمارة الكون تحت يد الانسان تتعاقب عليها أجياله، ويقوم اللاحق منها مقام السابق، وأنه سبحانه قد فاوت فى المواهب بين أفراد الانسان لغاية سامية، وحكمة عظيمة، وهى الابتلاء والاختيار فى القيام بتبعات هذه الحياة، وذلك شأن تحقق المقصود من هذا الخلق وذلك النظام: ((و هو الذى جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم)).
* * *
ولعلنا بعد هذا نلمس الفرق الجلى الواضح بين منهج سورة الانعام، ومنهج السور الاربع المدنية قبلها، وهذا هو احدى الخطوتين اللتين أردنا التمهيد بهما للحديث عن سورة الانعام.
أما الخطوة الثانية وهى المقارنة بينها وبين السور الاربع الاخرى التى شاركتها فى المكية، والبدء باثبات الحمدلله، فموعدنا بها العدد المقبل ان شاءالله.