/ صفحه 126/
من أهل الكتاب، وعرضت لعقوبة الاعتداء على الامن العام الذى تقوم به عصابات الشر والفساد، كما عرضت لعقوبة السرقة، وقصت بعتض التشريعات التى كانت فى كتب السابقين، وأشارت الى المبدأ الطبيعى الذى يقضى باختلاف الشرائع نظراً الى اختلاف الاجيال والعقليات، وحذرت العدول عن الحكم بما أنزل الله، و اتباع أهواء المضلين.
ولم يفتها فى أثناء ذلك كله أن تشد أزر النبى صلى الله عليه وسلم فيما يختص بموقفه من أهل الكتاب، وعصمة الله اياه من الناس وتوجه اليه فى ذلك الخطاب مرتين بصفة الرسالة، منبع العصمة والتأييد: ((يأيهال الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم)). ((يأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس)). ثم تذكّر الجميع بيوم الجمع الذى تحدّد فيه المسئوليات، وتذكّر أهل الكتاب بوجه خاص بشأن يجرى فيه بين عيسى وربه فيما يختص بعقيدة النصارى فيه: ((و اذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى الهين من دون الله؟)) الايات. ثم تحتم بهذه الاية الكريمة التى ترد الامر كله لله، ملكاً وتدبيراً وتصريفاً: ((لله ملك السموات والارض ومن فيهن وهو على كل شىء قدير)).
* * *
رجع الى بيان المنهج:
أما بعد، فهذا عرض وجيز، نستحضر به أصول ما تضمنته السور الاربع المدنية التى سبقت سورة الانعام فى الترتيب المصحفى، ومنه يتضح أنها اشتركت فى هدف واحد، هو تنظيم شئون المسلمين بالتشريع لهم باعتبارهم أمة مستقلة لها كيان خاص، وسبيل فى الحياة خاص، وبإرشادهم الى مناقشة أهل جوارهم فيما يتصل بالعقيدة والاحكام، ومعاملتهم فيما يختص بالسلم والحرب، وقد جاءت بعد هذه السور الاربع المدنية سورتان مكيتان، هما أطول المكى فى القرآن، وهما: الانعام و الاعراف. والذى يهمنا الان بيان منهج سورة الانعام