/ صفحه 120/
الذين يعلنون الانكار، والمنافقين الذين يترددون بين المؤمنين والكافرين بايمانهم الظاهرى، وكفرهم الباطنى، واقرأ في ذلك من أول السورة الى نهاية قوله تعالى: ((يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلما أضاء لهم مشوا فيه، واذا أظلم عليهم قاموا، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم، ان الله على كل شىء قدير)) الاية 20، ثم توجه الخطاب الى الناس جميعاً باعتبار انسانيتهم العاقلة، الى توحيد الله في العبادة والالوهية، والى الايمان برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وتضمن ذلك الايمان بالجزاء الاخروى: العذاب لمن جحد واستكبر، والنعيم لمن آمن وعمل صالحاً، وتشير الى أن الايمان بالحق شأن الفطر السليمة التي لم تدنس بمتابعة الهوى والشهوة، والتي لم تجر على سنن الاباء الضالين، وتنتقل من تصوير الدعوة والمجيبين لها، والمعرضين عنها على هذا الوجه، فتذكر لهم قصة الانسانية الاولى وتشير بها الى أن الانسانية قعت في الخلق والتكوين بين عاملين، يدفعها أحدهما الى الخير و الطاعة والامتثال، ويزيّن لها الاخر اغراء الشهوة والهوى، وأن الله لهذا، وهو الرحيم بخلقه: قد أخذ على الانسانية - بما ركبّ فيها من قوى الخير - العهد و الميثاق باتباع الحق الذي يبعث به اليها، واقرأ في كل ذلك من قوله تعالى: ((يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)) الاية 21، الى قوله تعالى: ((قلنا اهبطوا منها جميعاً، فاما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوابآياتناأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)). الاية 39.
كان هذا في فاتحة البقرة بمثابة تمهيد، يصل به القارىء الى الهدف الاصلى الذي عالجته السورة فيما بعد بحكم الوقت الذي نزلت فيه.
* * *
ان سورة البقرة قد نزلت في أوائل الهجرة، وقد صار للمسلمين بالهجرة كيان خاص وجوارخاص، وبذلك كان أمامها هدفان: