/ صحفة 9 /
السلام من المحرم ليستظل به الحيوان ـ اهتماما خاصا، ويؤكد رغبته في تحقيقها تأكيداً، فهو لا يكتفى بأن يشرع للمخالف جزاء ماديا هو الكفارة، كما شرع لمن خالف المراسم في الحج، فحلق الشعر ولبس المحيط أو المخيط، ولكنه ينبئا بأن الكفارة إنّما تجزىء في الخطأة الأولى، أما إذا تكرر هذا الفعل، وعاد المحرم إلى اقتحام هذا الحمى، فانه لا تكفيه الكفارة بعد ذلك، ولابد من العقاب الأليم، وذلك ما يؤخذ من قوله تعالى: (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) (ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام).
ولا شك أن هذا يلفتنا لفتا قويا إلى ما ترمى إليه الشريعة من جعل فريضة الحج فرصة للسلام والصفاء وتناسى أحقاد الحياة والتخلص من الشهوات والرغبات وأسباب النزاع إلى حين، ومصداق ذلك قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).
لا رجعية في التشريع:
بقى يعد ذلك مما نريد أن نلفت إليه في هذين النداءين قوله تعالى: (عفا الله عما سلف) وهي عبارة مختصرة ترشد إلى مبدأ هام من المبادىء التي قام عليها التشريع السالامي هو أن (لا رجعية في التشريع) وهو مبدأ يتلاقى مع عدل الإسلام وحكمته ورحمته، وقد أخذ به واضعو الدساتير والقوانين في عصور المدنية والعلم، ويعتبر القانون إذا قضى بعكسه قانونا جائرا منافيا للحكمة والرحمة، ذلك أن الأصل في كل شيء من الأشياء الاباحة، فالله قد خلق لنا كل شيء، وملكنا إياه، وسلطنا عليه، وأساغه لنا، فإذا استعمل الناس حقهم في شيء من الأشياء في هذا الظل، ظل الإباحة والحرية، فليس من العدل أن يحاسبوا على ذلك، لأن محاسبتهم تكون بمثابة نقض لما ارتبط به معهم من عهد الإباحة، ونفض العهد ظلم وإجحاف، وكما أنه ليس من العدل فهو أيضا ليس من الحكمة، لأن الحكمة تقضى بالتغطية على الماضي وجب مشكلاته، والتفرغ لمشكلات الحاضر والمستقبل، وليس من الرحمة لأن الناس إذا استقرت أمورهم على أمر