/ صحفة 79 /
الجديدة التي وفدت عليهم من يونان وفارس، ويحتدم الجدل حول كثير من المسائل النحوية والكلامية والأدبية، فهل شارك ابن قتيبة في النقد الأدبي كما شارك في غير ذلك من أنواع المعارف؟ وهل تأثر بهذه المعارف الحديثة؟
اننا إذا أردنا من النقد وضع قواعد عامة أشبه بقواعد العلوم، ثم تطبيقها على الآثار الأدبية من شعر ونثر، فلا يخطر ببالنا أن نضع المبرد بين النقاد، أما إذا أردنا المشاركة في النقد على طريقة الأدباء والرواة، فلا يحق لنا أن نغفل المبرد، ولقد جرى المؤرخون للنقد الأدبي على أن يهملوا أبا العباس، وإذا ذكره بعضهم مر بكتابه الكامل مروراً عابرا، على حين يقفون طويلا عند ابن سلام الجمحى وابن قتيبة، ولا نجد فارقا كبيراً بين الرجال الثلاثة من حيث معالجة النقد أكثر من أن كلا من الجمحى وابن قتيبة وضع مقدمة تحدث فيها عن أمور تمس النقد الأدبي مساً قوياً، ونحن نستطيع بسهولة أن نجمع اللمحات التي دونها أبو العباس في كتابه، وأن نتفهم الأسرار التي بنى عليها اختياره لبعض الآثار ليصير لنا من ذلك مجموعة قواعد، هي ما شارك به المبرد في ميدان النقد الأدبي، وهذا ما عقدنا عليه النية في هذا البحث.
ومن المعروف لدى الدارسين للبلاغة العربية أن النقد كان أولا نظرات تكاد تكون عابرة من الشعراء والكتاب، وأصحاب المشاركة الأدبية من الخلفاء والأمراء، ثم انتقلت هذه النظرات إلى بطون الدفاتر، وأضاف اليها المؤلفون نظرات من أذواقهم الخاصة، وهذا هو الذي كان في القرن الثالث على عهد المبرد إذا استثنينا عبد الله بن المعتز الذي حاول أن يدون قواعد أشبه بالقواعد العلمية للنقد الأدبي، أو للبلاغة العربية.
أولى المسائل التي شارك فيها المبرد:
مشكلة القديم والحديث مشكلة قائمة في كل عصر، وفي كل الآداب والفنون: قوم يتعصبون للقديم ويفضلونه، ويعدون كل حديث ساقطا، وقوم يتعصبون للجديد ويقدمونه، ويعتبرون كل قديم باطلا، وطائفة ثالثة تنظر بعين الانصاف،