/ صحفة 78 /
ولكن غلب عليه حفظ اللغة، وتتبع غريبها، وربما كان لقراءته كتاب سيبويه على أستاذيه أثر في ميله الكبير إلى النحو والصرف، ولقد كان أوحد زمانه علما وفضلا، حتى قيل فيه: ما رأى محمد بن يزيد المبرد مثل نفسه.
وقد عاصر ثعلبا، وكان بينهما ما يكون بين المتعاصرين من التنافس، وكان المبرد يحب لقاء ثعلب، ويكره ثعلب لقاءه، وقالوا في تعليل ذلك: ان المبرد كان (حسن العبارة، حلو الاشارة، فصيح اللسان، ظاهر البيان، وثعلب مذهبه مذهب المعلمين). ومع ذلك فقد حكم لثعلب في المناظرة الشهيرة التي جرت في مجلس الأمير محمد بن عبدالله بن طاهر، وهي احدى مناظرات بينهما، وقام المبرد من المجلس مقهوراً، قال الزبيدي (القول ما قال المبرد، وإنّما سكت لما رأى من بله القوم، وقلة معرفتهم).
ولأمر ما جرى القضاء بأن يغلب الأقوى والأعلم في كثير من هذه المناظرات، ومن أشهر ذلك اندحار سيبويه أمام الكسائي، حتى خرج من بغداد متوجها نحو فارس خزيان أن ينزل البصرة، وهو امامها بلا منازع، ومات في فارس غما، وكان الحق معه، وانهزام أبي بكر الخوارزمي أمام البديع الهمذاني، وقد اغتم اغتماما شديداً، ولم يحل عليه الحول حتى مات، وخذلان سعد الدين التفتازاني أمام تلميذه السيد الشريف الجرجاني، وموته من ذلك كمدا، ولكن لله تدبيرا تعجز عن ادراك كنهه العقول.
وتوفى المبرد في عام 285 هـ وعمره خمس وسبعون سنة أو تسع وسبعون سنة على حسب الاختلاف في تاريخ مولده، وله كتب كثيرة من أشهرها كتاب الكامل وهو عمدتنا في هذا البحث.
هل كان المبرد ناقداً؟
عاش المبرد في القرن الثالث في مدينة بغداد عالماً نحوياً لغوياً، يأخذ عن كبار النحويين، ويتأدب على جهابذة الرواة، ويجالس الجاحظ، ويصاحب ابن قتيبة وكانت بغداد تموج بالثقافات المختلفة، ويتجه بعض علماء العربية إلى هذه الثقافة