/ صحفة 64 /
كما أن افناء الفرد في الجماعة وجعل الجماعة ـ بمعناها الواسع ـ الغاية الأخيرة في الحياة ـ كما يرى ذلك المذهب أو الشيوعي ـ هو الذي يهدد الغرب الآن في حضارته الصناعية، وفي تراثه التاريخي من الثقافة الروحية والانسانية، وهو الذي يحمل الغرب كذلك على أن يباشر في سياسته الدعوة إلى الروحية كوقاية من الآثار السلبية لهذا المذهب المادي.
ولكن بالرغم من مناوءة بعض العلماء المثاليين أو الروحيين، وبالرغم من وضوح الآثار السلبية لهذا المذهب في الحياة الإنسانية ـ بالرغم من ذلك لم يزل هذا المذهب مقترنا في التصور بالحضارة الصناعية الغربية والبحوث الطبيعية البحتة. وهذا الاقتران نفسه هو سبب الاختلاف في تقدير الحضارة الصناعية الغربية، وسبب التردد في الأخذ بها عند كثير من علماء الشرق الإسلامي وقادتهم في التوجيه.
وفي الوقت نفسه من وجهة نظر أخرى: هذا الاقتران في التصور بين التيار المادي في التوجيه والحضارة الغربية الصناعية أوحى لبعض كتاب الشرق وعلمائه بأن يضغطوا على الثقافة الإسلامية الأصيلة، وعلى التوجيه الروحي عامة في الشرق. لأنهم ظنوا ـ نتيجة لهذا الاقتران في التصور ـ أن الشرق سوف لا يقبل الحضارة الصناعية الغربية الا إذا ألغى اعتبار التوجيه الروحي، وأخذ بوجهة نظر المذاهب المادية، وعلى الأقل في صورة المذهب الوضعي أو الواقعي لأوجست كومت، أو في صورة مذهب البراجماتزم لو ليم جميس.
وأصبحنا نجد في المكتبة العربية المعاصرة: المنطق (الوضعي) و (خرافة) الميتافيزيقيا لبعض أساتذة الجامعة في مصر، كما أصبحنا نسمع في المؤتمرات التي استهدفت تحديد معالم الثقافة الضرورية للمواطن الشرقي صيحات تطالب بإبعاد الدين وما يتصل به من ثقافة من محيط الثقافة الضرورية للمواطن في الشرق الأدنى على نحو ما حدث في المؤتمر الثقافي العربي الثاني الذي عقد بمدينة الاسكندرية