/ صحفة 63 /
وشيلير Max Scheler (1875 ـ 1928) قد حاولا أن يجعلا الفلسفة تبتدىء من التجارب النفسية لتصل إلى المعرفة الميتافيزيقة.
وهذه المحاولة وتلك نقض لاتجاه المذهب المادي الذي ساد في القرن التاسع عشر، وتكون على أثر تقدم البحث الطبيعي في عصر النهضة الأوربية نتيجة استخدام وسيلة هذا البحث ـ وهي الملاحظة والتجربة الآلية ـ في البحوث الروحية والعقلية.
وإذا كان لنا أن نذكر أحداثاً مادية تعقيباً على الآثار السلبية للمذهب المادي في الحياة الغربية خاصة، والانسانية على وجه العموم ـ فنشير فقط إلى أن الديمقراطية الغربية ـ وهي صاحبة الكفة الراجحة في الحضارة الصناعية الحديثة ـ ترى في هذا الاتجاه المادي خطراً على الإنسانية وتراثها من المدنية والثقافة. وأصبح شعورها بهذا الخطر يزداد يوما بعد يوم.
كما نشير إلى أن سيطرة رجل الصناعة والعالم الطبيعي أو الاجتماعي التي نشدها أوجست كومت في فلسفته الواقعية هي التي سببت الحرب العالمية الأولى وكذا الثانية. وان دلتا هاتان الحربان على شيء وراءهما فليس على المحبة كمبدأ، ولا النظام كأساس، كما طلب (كومت) في دينه الذي سماه بالدين (الطبيعي) وجعله الوسيلة لتحقيق (الجماعة) المنشودة، بجانب قصر الثقافة على مواد معينة، ليس من بينها الدين، والفلسفة الميتافيزيقة.
هاتان الحربان نعم كان وراءهما تكتل عالمي تجاوز حدود القوميات ولكنه تكتل لم تتحول فيه الحيوانية إلى الإنسانية، والغريزة العمياء إلى العقل السائد، والأنانية إلى الشعور الإنساني الجماعي، على نحو ما انتظر أوجست كومت يوم يكون لرجل الصناعة وللعالم الكلمة الأولى في التوجيه، دون رجل الدين ورجل الجيش، ودون القانوني والفيلسوف. وقد كانت سيادتهما السبب المباشر المختفى وراء قيامهما.