/ صحفة 49 /
ذلك كذلك ففيم البحوث والدراسات وكراسي الجامعات المخصصات للتاريخ في مشارق الأرض ومغاربها؟
قال: من الفطرة فيما أعلم وأرى، ان بني آدم يغضون البصر عن واقع الحال بقدر ما تهفو قلوبهم إلى مخترعات الخيال… فأنت عم عن الحقيقة إذا كان مصدرها شيخك… بصير بالفرية مؤمن بها إذا رويت لك عن شيخ أوربى أو أمريكي … فأما عن البحوث والدراسات وكراسي الجامعات، فما أحسب الأساطير والخرافات غير صالحة للبحث والدرس.
قلت: وإذا سلمت لكم جدلا أن تاريخ بني آدم خرافات ومفتريات فلم يكون تاريخ داحس والغبراء بدعا في نوعه؟ ولم تريدونني على أن أومن به استثناء؟
قال: داحس والغبراء ليس لهما شرف الانتساب إلى الفصيلة الآدمية… ولو روياهما التاريخ لكان في وسعك أن تصدقه… فالظاهر أن الكذب امتياز انساني، لا تسمو إليه الخيل والبغال، ومهما تكن الحال فمن ذا الذي رغب إليك في أن تأخذ تاريخ داحس والغبراء قضية مسلمة؟ انه لخبر يحتمل الصدق والكذب شأنه شأن سائر الأخبار، وما يعتورها من زيادة ونقص، الا يكن الاختراع جملة وتفصيلا.
قلت: ولكن حرب عبس وفزارة بلغت من الشهرة والتقاء الروايات ومقولات الشعراء ما لا يجوز معه أن يقال انها في جملتها و تفصيلها اختراغ خيال لا يمت بسبب إلى واقع الحال … قد تكون العصبية والتنافس ومحاولة السبق في ميدان الحرب أو ميدان الرواية وما إلى ذلك وغيره، لعبت الا عيبها، وفعلت أفاعيلها في هذه الواقعة أو تلك، بيد أن من المتعسر عقلا أن نضيف أخبار داحس والغبراء جملة إلى أخبار الغول والعنقاء …
قال: ها أنت ذا تحاول اثبات حرب عبس وذبيان، وكأنني أنكرتها فأنت تلزمني الحجة … ألا لتكن حرب داحس والغبراء حقيقة تاريخية لا يرقى اليها