/ صحفة 437 /
منكم الشهر فليصمه))، وبقوله عز وجل: ((إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه))، وكلامه فيه قاصر، لأنه يعنى من المجماز ما كان يعنيه أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه المجاز، علي معنى تأويل الآية، فالمبرد يقول في هذا الموضع: نذكر آيات من القرآن ربما غلط في مجازها النحويون، ثم يجعل مجاز الآية الأولى، فمن كان منكم شاهداً بلده في الشهر فليصمه، والتقدير فمن شهد منكم، أي فمن كان شاهداً في شهر رمضان فليصمه لأن الشهر لا يغيب عنه أحد، ومجاز الثانية، أن المفعول الأول محذوف، ومعناه يخوفكم من أوليائه، ثم يذكر آيات أخر ويذكر المعنى الذي يمكن أن تخرج عليه.
وقد أثار المبرد قضية بيانية صعبة المرتقى، على أنه تراجع فيها، ذلك أنه رأي في بعض وقفاته أن الكلام الخشن يقبل في وسط الكلام الجيد وكأنه يرى أن الحسنات يذهبن السيئات في البيان أيضاً، فقد يضطر الشاعر المفلق، والخطيب المصقع، والكاتب البليغ فيقع في كلامهم المعنى المستغلق واللفظ المستكره، فإن انعطف عليه جنبتا الكلام غطتا لعي عواره، وسترتا من شينه، وإن شاء قائل أن يقول: بل الكلام القبيح في الكلام الحسن أظهر، ومجاورته له أشهر كان ذلك له، ولكن يغتفر السيء للحسن، والبعيد للعريب، ثم يذكر أبياتاً فيها من ألفاظ العرب البينة القريبة المفهمة الحسنة والوصف، الجميلة الرصف، وبخاصة للفرزدق، ثم يعوج على بيته المشهور الذي يتعبره من أقبح الضرورة، وأهجن الألفاظ، وهو البيت الشمهور عند علماء البلاغة يتعقيده اللفظي الشديد (وما ميله في الناس إلا مملكا).
وكأني ألمح في كلام المبرد ما يشبه الاعتذار عن الفرزدق، وأنه يجب أن يغتفر له السيء للحسن والبعيد للقريب، وهذه اللمحة الخاطفة هي التي بنى عليها ـ فيما بعد ـ صاحب الوساطة دفاعه عن المتنبي حيث رأى أنه يجب أن يغتفر له ما أسماء فيه من أجل حسناته الكثيرة..