/ صحفة 438 /
وفي هذا الباب الذي ابتدأه بأن من كلام العرب الاختصار المفهم، والأطناب المفخم، يكر أبياتاً جميلة، يفضلها لتخلصها من التكليف، وسلامتها من التزيد، وبعدها من الاستعانة وهي لأبي حية التميري:
رمتني وستر الله بيني وبينها عشية أرآم الكناس رميم
ألا رب يوم لو رمتني رميتها ولكن عهدي بالنصال قديم
والاستعانة ـ كما فسرها ـ أن يدخل في الكلام ما الا حاجة بالمستمع إليه ليسحح به نظما أو وزنا، إن كان في شعر، أو ليتذكر به ما بعده إن كان في كلام منثور، كنحو ما نسمعه في كثير من كلام العامة مثل قولهمم، الست تسمع أفهمت، أين أنت؟ وما أشبه هذا، وربما تشاغل العي بفتل أصبعه، ومس لحيته وغير ذلك من بدنه.
قلت: وهذا أصل من أصول النقد، ولو ال أن الجاحظ تحدث عنه في كتابه البيان والتبيين،
لكان من حسنات المبرد الكبار.
***
هذا، وله نقدات خاطفة، مثورة في كتابة، وفي بعض الكتب التي نقلت عنه فهو يذكر أخذ الشعراء بعضهم من بعض، ويعبي أبا اعتاهية بكثرة عثارة، وباللحن، وبالخروج عن العروض أحيانا، ويدخل الاخلاق في جودة الكلام، فيقول عن خطبة لعمر: وإنما حسن هذا القول مع ما يستحقه من قبل الاختيار بما عضده من الفعل المشاكل له.
ويعيب المناقضة في قول مروان بن أبي حفصةك
لي حيله فيمن ينمّ وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقو ل فحيلتي فيه قليلة
قال: وقد ناقض هذا الشاعر لأنه قال، وليس في الكذب حيلة، ثم قال فحيلني فيه قليلة.