/ صحفة 422 /
ولقد رام سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه في الجاهلية أيام استحكام العصبيات في نفوس العرب أن يفخر بأصوله وفروعه في مناقب ومكارم آله الأعاظم غير أنه خاله التعبير في الأداء، فنقده الغابغة الذبياني بما لم يحر له جوابا.
نقد النابغة المفحم:
كان النابغة الذبياني تضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء وتعرض عليه وقصائد، فبعد الأعشى الخنشاء تقدم حسان وأنشده قصيدته الافتخارية، واستعرض فيها محد نسبه الشامخ إذ يقول:
ولدنا بني العنقاء وابني محرِّق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما(1)
فقال له النابغة فيما يختص بهذا البيت بعد اعترافه بأنه شاعر: إنك افتخرت بمن ولد تساؤكم ولم تفخر بآبائكم، فكانت ملاحظة لم يستطع حسان الرد عليها.
ولذلك حمد الأدباء لشاعر من بني كلب تحاميه هذا الخطأ المستهجن ذوقا، قال أبو عبد الله المرزباني: (فأما قوله ـ النابغة ـ فخرت بمن ولدت لولم تفخر بمن ولدك، فلا عذر لحسان فيه على مذهب نقاد الشعر، وقد احترس من مثل هذا الزلل رجل من كلب، فقال يذكر ولادتهم لمصعب بن الزبير وغيره ممن ولده نساؤهم:
وعبد العزيز قد ولدنا ومصعبا وكلب أب للصالحين ولود
فنه لما فخر بمن ولده نساؤهم، فضل رجالهم وأخبر أنهم يلدون الفاضلين، وجمع ذلك في بيت وأجاد).
ولقد أبدع في إيقاء الفخر بالنسب أصلا وفرعا حقه مع زيادة معنى: هو اغتباط كل منها بالآخر، فالفرع لا يرغب عن الانتساب إلى أصله إلى أصل
ــــــــــ
(1) بني العنقاء: العنقاء ثعلبة بن عمرو مزيقيا، ومحرق: الحرث بن عمرو مزيقيا كان أول من عاقب بالنار، وأكرم بنا: تعجب، أي ما أكرمنا خالا وما أرمنا ابنا وما زائدة، وللبحث النقدي منقول عن الأغاني وغيره، مع البسط في خزانة الادب الشاهد الرابع والتسعين بعد الخمسمائة.