/ صحفة 420 /
التصريح بانوع الثاني مع اقتضاء التقسيم العقلي له، ومع رؤيته منبثا في المجتمع يرتكب الجرائم النكراء، ويزعزع حبل الأمن والاستقرار، ولا وازع له من ذكري آباء سلفوا يستخذي من لحاق المسبة لهم. نعم لا نماري في أحقية هذا السؤال، بيد أنا نتلمس للشاعر الحكمة السليمة في طرحه هذا النوع عداً. لأنه أولا في نفسه نظير لااول مع المفارقة بينهما في المقدار والمنزلة فكأنه وارد في الشعر، وثانياً محاكاته للأول في أن كلا منهما لم يحدث جديداً يخالف بيئته التي غرس فيها بذره، فليس ثمة توجيه نظرالي عبرة، والشاعر يستوحيها من النوعين الأخيرين فقط، وإنما كذر النوع الأول الأفضل تمهيداً لهذين النوعين في الواقع، والثاني مهدور عنده كماهو مهدور في الوجود، وثالثاً أن الشاعر لم يستسغ ذوقه الأدبي عده بعد الأول لأنه أخس الأربعة حتى النوع الرابع وهو من خيث فرعا، إذ الأمل فيه مرجى، فقد ينزع إلى الخير والعرق دساس، وكثيراً ما حمل المبتغين الشر القادرين عليه تذكيرهم بأسلافهم فارعووا وتأسوا بأسلافهم، على أننا نشاهد مجاملة المجتمع لهم في اغلب الأحايين تأثراً منه بفعال آبائهم، وقد يتقبلون منهم ما لا يغضون البصر عنه من غيرهم، والخلاصة إن الأنواع الثلاثة: الأول والأخيرين يحق لهم التباهي إما بالعصاميةأو العظامية أو بهما، فمن قدرا له فهو أفضل الناس، ونروي الحادثة الآتية مع الحجاج لتستخلص منها مصداق ما أسلفناه.
ذكر الميداني في مجمع الأمثال ((يقال: إنه وصف عند الحجاج رجل بالجهل وكانت له إليهحاجة، فقال في نفسه لأختبر، ثم قال له حين دخل عليه: أعصامياً أنت أم عظامياً؟ يريد أشرفت أنت بنفسك أم تفتخر بآبائك الذين صاروا عظاماً؟ فقال الرجل: أنا عصامي وعظامي، فقال حجاج: هذا أفضل الناس، وقضى حاجته وزاده ومكث عنده مدة، ثم فاتشه فوجده أجهل الناس، فقال له: تصدقني وإلا قتلتك، قال له: قل ما بدا لك وأصدقك، قال كيف أجبتني بما أجبت لما سألتك عما سألتك؟ قال له: والله لم أعلم: أعصامي خير أم عظامي، فخشيت أن أقول أحدهما فأخطئ فقلت كليهما فإن ضرني