/ صحفة 416 /
بياشرونها عليه في وقته، بل أراد أن يباشرها على نمط آخر. اراد أن بياشرها على نمط يجعل لها أثراً على قلبه. ((وإنما مراد الطاعات كلها وأعمال الجوارح تصفية القلب وتزكيته وجلاؤه)) ـ كما يقول في كتاب الإحياء ـ. وهذا النحو من ممارسة العبادة في وقته لم يكن موجوداً، بل الذي كان موجوداً أداء العبادة وفقا للإجزاء والامتثال من نظر الفقه والفقهاء؛ لذلك بحث الصلة بين أنواع العبادة وآثارها في النفس، وسأل عن نتائجها في تطهير القلب، وعني بمحاسبة النفس على ذلك.
عيب على الغزالي في مذهبه الأخلافي أنه:
1 ـ أفرط في طلب مجاهدة النفس ورياضتها وفيما اشترطه لذلك من ترك الدنيا كلية.
2 ـ وبالغ في آثار الرياضة النفسية وحال الكشف والمشاهدة.
عيب عليه ذلك من وجهة نظر الإسلام، لأن الإسلام وإن لم يجعل الدنيا هدف الإنسان، لكنه طلب الاستعانة بها في تحقيق غايته الأخيرة، بل جعلها محل اختبار المؤمن، وذلك معناه عدم الانصراف عنها تماما، وإلا لما تحقق الاختبار والامتحان بها.
وكذلك المبالغة في آثار الرياضة النفسية من الكشف والمشاهدة قد تجر إلى أحداث الفتنة وانتسام الجماعة، لأنه ليس بمأمون أن يحترف بعض أدعياء الرياضة والكشف بما يسمونه أسرار الهيئة، وذلك أمر لا ضابط له؛ يقول ابن الجوزي في كتابه ((تلبيس إبيلس)): ((إن التصوف رياضة النفس، ومجاهدة الطبع، برده عن الاخلاق الرذيلة، وحمله على الاخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والاخلاص والصدق، إلى غير ذلك من الخلال الحسنة التي تكسب المدائح في الدنيا والثواب في الآخرة.. هذا ما كان عليه أوائل المتصوفة حتى لبّس الشيطان عليهم؛ فكان أول تلبيسه أن صدهم عن العلم، وأراهم أن المقصود العمل،