/ صحفة 417 /
فلما انطفأ مصباح العلم تخبطوا في الظلمات، فمنهم من غلا في ترك الدنيا وهي قوام مصالح الخلق، ومنهم من أغرى بتعذيب النفس بالجوع والعري، والفقر الالختياري، ومنهم من هام بالسماع، والوجد، والرقص، ومنهم من غلبت عليه الخيالات حتى قالوا بالحول والاتحاد، وكانوا يعنون بالنظافة والتنطع في الطهارة؛ وراجت عليهمم لقلة العلم بالأحاديث الموضوعة...)).
إن الغزالي تتجلى أصالته الفكرية واعتداله في المزاج فيما كتبه في الفقه وأصول الفقه، ويتجلى جدله وقوته في الحجة والخصومة العقلية فيما واجه به الفلاسفة من نقد لما رأوه أو قبلوه عن غيرهم، وتتجلى سعة اطلاعه ووقوفه على احوال النفس للأفراد والجماهير ومعرفته بأسلوب الاقناع، وخاصة في فن التمثيل والتشبيه، فيما كتبه لترغيب الناس في الزهد ومجاهدة النفس.
لو لا سلبية الغزالي العنيفة في مذهبه الأخلاقي لطالبنا بتطبيقه في حياتنا الراهنة حيث سادت المادية، واكتسحت العلم موجتها الطاغية، وأحدثت من القلق الاضطراب ما ندرك في كل مكان آثاره.
نحن أفراداً وشعوباً وجماعات في حاجة إلى رياضة النفس، وصفاء القلب، لنكون إخواناً متحابين نقدر المثل، والانسانية لما فيها من معان فاضلة، ولكن في أسلوب أخف مما فرضه الغزالي على نفسه ومريديه.