/ صحفة 414 /
ابن خلدون عن الغزالي: ((أن هذا الكشف لا يكون صحيحاً كاملا عنده إلا إذا كان ناشئاً عن الاستقامة ـ العبادة ـ لأن الشكف قد يحصل لصاحب الجوع والخلوة وإن لم تكن هناك استقمة كالسحرة واغيرهم من المرتاضين، وليس مرادنا إلا الكشف الناشيء عن الاستقامة. ومثاله: أن المرآة الصفلية إذا كانت محدبة أو مقعرة وحوذي بها جهة المرئي فإنه يتشكل فيها معوجا على غير صورته، وإن كانت مسطحة تشكل فيها المرئي صحيحاً، فالاستقامة للنفس كالانبساط للمرآة فيما ينطبع فيها من الأحوال.
إلى هنا انتهى الغزالي في أخلاقه الفلسفية والصوفية.
5 ـ الغزالي كما أرى:
أما بعد: فالغزالي في أخلاقه أولا وأخيراً، فيلسوفا ومتصوفا، إن فتشنا عن ((محور)) ترتكز عليه نظرته الأخلاقية، ويدور حوله كل ما كتبه باسم الأخلاق أو علم الوجدان أو علم الباطن ـ لوجدنا هذا ((المحور)) يسبقه أساس هو تمهيد له، وتعقبه غاية هي نتيجة له. أما الاساس فخطوتان: العبادة والاستقامة. ولك بالعمل بما جاء في الشرع من كتاب وسنة من جانب، ثم الحرص على تنحية العوئق في سبيل صفاء النفس من مال وجاه، مع الحرص أيضاً على تحصيل المنجيات من زهد ومحاسبة للنفس ومراقبة لها وتفكر في ذات الله وتذكر للموت من جانب آخر.
وأما الغاية في صفاء النفس والقلب. وعند صفاء القلب ينجلي للإنسان الوجود لعي حقيقته، وحقيقة الوجود هي الربوبيه وآثارها. فالوجود ليس إلا الله تعالى وأفعاله. وعند ما تصل معرفة الإنسان إلى هذه الدرجة تتمتع نفسه ويقيم على متعتها هذه لأن ذلك هو النهاية.