/ صحفة 413 /
ولكن من الوجهة النفسية في تكوين العادات ـ والرياضة وسيلة لتكوين العادة ـ ما بشير به الغزالي سليم كل السلامة. فمن يريد أن يقلع عن التدخين لا ينتظر حتى ينتهي من تدخين ما يملكه بل عليه في الحال أن يتخلى عنه، ومن يريد السير كوسيلة لتخفيف سمنته لا ينتظر حتى يرصف الطريق أو تظلله الأشجار، بل عليه أن يتحمل مشقة السير ليصل إلى غايته، وهكذا...
(جـ) الأمر الثالث الذي تحدث عنه هنا في أخلاقه الصوفية بعد حديثه عن طبيعة الإلهام ووسيلته من الرياضة والمجاهدة، على نحو ما ذكر من وجوب التخلي عن المهلكات والسعي إلى المنجات ـ هو نتائج الالهام والشكف. وهو في هذا يعرض لانكشاف الوجود على حقيقته للإنسان، ثم ما يمكن للإنسان عندئذ أن يعرفه من الاسرار التي تغيب على غيره ممن لم يصل إلى هذه الدرجة من الكشف والتجلي. وهده الأسرار هو ما يعبر عنه بالكرامات، إذا تحدث عنها صاحب الكشف ووقعت في هذا الوجود.
والانسان إذا وصل إلى درجة اشكفل، وتجلت له ذات الله سبحانه وتعالى عندئذ تتم سعادته، وتتحقق متعته. ((والسعادة التي وعد الله بها المتقين هي المعرفة والتوحيد. والمعرفة هي معرفة الربوبية المحيطة بكل الموجودات، إذ ليس في الوجود شيء سوى الله تعالى وأفعاله، والكون لكه من أفعاله، فما يتجلى من ذلك للقلب هو الجنةبعينها عند قوم، وهو سبب استحقاق الجنة عند أهل الحق، وتكون سعة نصيب الإنسان من الجنة بحسب سعة معرفته، وبمقدار ما يتجلى له من الله وصفاته وأفعاله...)).
والآن عند الغزالي: الناس في المعرفة والايمان ثلاثة أصناف: ((أن المعرفة والايمان ثلاث مراتب: المرتبة الأولى إيمان العوام وهو إمان التقليد المحض. والثانية إيمان المتكلمين وهو ممزوج بنوع استدلال، ودرجته قريبة من درجة إيمان العوام، والثالثة إيمان العارفين وهو المشاهد بنور اليقين)). وينقل