/ صحفة 412 /
2 ـ الأمر الثاني أن يسعى إلى الفقر والزهد، ومراقبة النفس ومحاسبتها والتفكير في ذات الله سبحانه وتعالى، وتذكر الموت. وسمي الجانب الأول بالمهلكات، وسمي الثاني بالمنجيات.
وبين في كثير من الوضوح والتفصيل الطريق العملي لكل صفة يجب أن يتخلى عنها المجاهد، وكل صفة أخرى يجب أن يسعى إليها المجاهد مما يدل على عمق صلته بالحياة، وكثرة تجاربه فيها، وسعة فهمه للنفس وأحوالها وعاداتها.
وبعض الطرق التي يشير بها الغزالي لتحقيق مجاهدة النفس ورياضتها لو يشار به اليوم لعد غريباً غير مفهوم: فمثلا يشير على من عنده مال ـ والمال مطلوب التخلي عنه ـ أن يدفع به إلى الخيرات، وعلى من هو متكبر أن يخرج للأسواق والأماكن العامة للسؤال. يطلب من صاحب المال أن يتخلى عنه، ويطلب من المتكبر أن يتوسل حتى تحقق عنده مجاهدة النفس وحتى ترتاض نفسه، فيصفو قلبه ويعد عندئذ للإلهام والكشف يقول: ((... فإن رأي الشيخ مع المريد ـ المريد طالب المجاهدة، والشيخ هو موجهه ـ مالا فاضلا عن قدر ضرورته اخذه منه ورفه إلى الخيرات، وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه، وإن رأى الرعونة والكبر وعزة النفس غالبة عليه فيأمره أن يخرج إلى الأسواق للسؤال، فإن عزة النفس والرياسة لا تنكسر إلا بالذل، ولا ذل أعظم من ذل السؤال، فيكلفه المواظبة على ذلك مدة حتى كبره وعزة نفسه، فإن الكبر من الأمراض المهلكة)).
كما قد يوجب على الإنسان الذي اعتاد النظافة وشغل بها والتفت إليها، أن يمارس أعمال النظافة في دورات لامياه أو في المطبخ أو فيما شاكل ذلك. يقول: وإن رأى ـ الشيخ ـ الغالب عليه النظافة في البدن، ورأى قلبه مائلا إلى ذلك فرحا به ملتفتاً إليه، استخدمه في تعهد بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمته المطبخ حتى تتشوش عليه رعونته في النظافة)).