/ صحفة 410 /
4 ـ الغزالي كمتصوف في أخلاقه:
لم يفترق الغزالي المتصوف في أخلاقه عن الغزالي الفيلسوف الاخلاق في اعتبار الدين كمصدر لآرائه الأخلاقية هنا عند ما مال إلى التصوف وجنح عن الفكر الفلسفي. بقى اعتبار الدين عنده كما هو، والذي تغير في الاعتبار والنظر هو العقل. هجره هنا، واستعاض عنه بالإلهام الصوفي. ولعل منهجه في البحث الأخلاقي كله سار على منهج الفلاسفة الإسلاميين قبله كالفارابي وابن سينا. وهو الابتداء بالمنطق والاعتماد عليه عند الدخول في البحث، حتى إذا قارب هذا البحث الانتهاء، أغفل المنطق والعقل وحل محله ذلك الالهام أساس التصوف ودعامته.
هنا في الجانب الصوفي في أخلاق الغزالي يكاد يقصر بحثه على الالهام ونتائجه ومقدماته. ومعنى ذلك أنه يجانب الدين يضع الالهام؛ أما الحديث عن الفضيلة وحدودها، وغاية العمل الخلقي، فإن تغرض له تعرض بالبسط لا بالتغيير والمخالفة عن ذي قبل.
(ا) اهتم بالإلهام فقال: ((اعلم أن من انكشف له شيء ولو الشيء لليسير بطريق الالهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري، فقد صار عارفا بصحة الطريق. ومن يدرك ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به، فإن درجة المعرفة به عزيزة جداً، ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والحكايات. أما الشواهد فقوله تعالى: ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)) فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم، فهو بطريق الشكف والالهام. وقال صلى الله عليه وآله وسلم ((من علم بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، ووفقه فيما يعمل)) حتى يستوجب الجنة، ومن لم يعلم لما يعلم تاه فيما بعلم، ولم يوفق فيما يعمل، حتى يستوجب النار)) وقال تعالى: ((ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)) ـ من الاشكالات والشبه ـ ((ويرزقه من حيث لا يحتسب)) ـ يعلمه علماء من غير تعلم، ويفطنه من غير