/ صحفة 409 /
المسخرات له، فلا يستعملهما إلا على الوجه الذي يوصله إلى الله تعالى، وذلك بأن يكون موزونا بميزان الشرع والعقل، ثم يكونه بعد ذلك فرحا به، مستلذاً له..)).
فالمتعة النفسية والتلذذ الروحي حلقة أخيرة في غاية العمل الخلقي عند الغزالي. وقبل هذه الحلقة حلقة مباشرة، هي أن يغلب على النفس حب الله دون حب الدنيا، وألا يكون شيء أحب اليها من لقاء الله. أو أن أحداهما مقدمة والأخرى نتيجة لها. وغاية العمل الخلقي إذن عنده مجموعهما، وهو المتعة النفسية بلقاء الله. وهو إذن في غائيته من أصحاب السعادة النفسية. وأمارة تحقق هذه السعادة عنده أن يكون موزونا بميزان الشرع والعقل. وهو لهذا في المصدر الذي يصدر عنه يدعو إلى الاستقلال وعدم الاستقلال، هو ديني وعقلي.
ويشرح الغزالي امكان تحقق هذه الغاية بأسلوبه المقنع الذي اعتاده وهو أسلوب التشبيه والتنظير، فيقول: ((وإذا كانت النفس بالعادة تستلذ الباطل وتميل إليه وإلى القبائح، فكيف لا تستلذ الحق لو ردت إليه والتزمت المواظبة عليه، بل ميله النفس إلى هذه الأمور الشنيعة خارج عن الطبع، يضاهي الميل إلى اكل الطين. فقد يغلب على بعض الناس ذلك بالعادة. فأما ميله إلى الحكمة وحب الله ومعرفته وعبادته، فهو كالميل إلى الطعام والشراب، فإنه مقتضى طبع القلبب. فإنه أمر رباني، وميله إلى مقتضيات الشهوة غريب من ذاته، وعارض على طبعه. وإنما غذاء القلب الحكمة والمعرفة، وحب الله عز وجل..)).
إلى هنا وقفنا على الغزالي الفيلسوف في أخلاقه في صورة إجمالية. وحددنا مذهبه بأنه يسعى إلى وضع سعادة الإنسان النفسية كمغاية للعمل الخلقي، وأنه يعتمد على مصدرين متقابلين فيما رأى هنا، وهناك في تحديد الفضيلة، والوسيلة إلى تحصيلها. لم يتخل عن ضروب العبادة في الإسلام، كما لم يغمط شأن الفكر الأفلاطوني والأرسطي في دعائم المذهب الخلقي عنده: وهو قائم الآن على الفضيلة والوسيلة ـ والغاية.