/ صحفة 408 /
الطباع لا تتغير. واستدل فيه بأمرين، أحدهما: أن الخلقُ هو صورة الباطن، كما أن الخَلق صورة الظاهر. فالخلقة الظاهرة لا يدر الإنسان على تغييرها، فالقصير لا يقدر أن يجعل نفسه طويلا، ولا الطويل يقدر أن يجعل نفسه قصيراً، ولا القبيح يقدر على تحسين صورته. فكذلك القبح الباطني يجري هذا المجرى. والثاني: أنهم قالوا حسن الخلق يقمع الشهوة والغضب. وقد جربنا ذلك بطول المجاهدة، وعرفنا أن ذلك من مقتضى المزاج والطبع، فإنه قط ال ينقطع عن الآدمي. فاشتعاله به تضييع وقت بغير فائدة. فإن المطلوب هو قطع التفات القلب إلى الحظوظ العاجلة، وذلك محال وجوده. فنقول: ((لو كانت الاخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((حسنوا أخلاقكم)). وكيف ينكر هذا في حق الآدمي، وتغيير خلق الهمية ممكن! إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الانس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق...)).
وإلى هنا عالج الفضيلة في معناها ووسيلة تحصيلها على أساس من الدين والعقل، لم يفرط في واحد منهما، وكذلك لو انتقلنا به إلى الغاية من العمل الخلقي وهو العمل الذي يوصف بأنه فضيلة، والذي يتوصل إليه بالمجاهدة والرياضة النفسية، والعبادة في صورتها الإسلامية ـ لو انتقلنا إلى تحديد الغزالي لهذه الغاية لوجدناه قد استعان في ذلك بالشرع والعقل أيضاً دون أن يهمل واحداً منهما.
(جـ) غاية العمل الخلقي:
يقول في كتابه الإحياء: ((وغاية هذه الأخلاق أن ينقطع عن النفس حب الدنيا، ويرسخ فيها حب الله، فلا يكون شيء أحب إليه من لقاء الله عز وجل، فلا يستعمل جميع ماله إلا على الوجه اليد يوصله إليه. وغضبه وشهوته من