/ صحفة 400 /
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه، وأن الذي نزله قرر حفظه على تعاقب الأجيال، وتقلب الأمم من حال إلى حال ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)).
قلت: إن محمداً رسول الله عليه صلوات الله لم يُلقِ عصاه فإذا هي حية تسعى، ولم يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، ولم يحي الموتى، ولم يبرئ الأكمه والأبرص، ولم يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. وإنما كانت آيته هذا القرآن الذي أعجز العرب في أبعد الأشياء عن إعجازهم و أن الأمر كان إنسانياً. أعجزهم في لغتهم حين امتلكوها امتلاكا مثاليا ليس بعده إلا الانحدار بطبيقا للقاعدة الثابتة، قاعدة ((ما تم شيء إلا بدا نقصه)) ففي طور هذا التمام الكامل أو الكمال التام نزل القرآن متحديا أئمة البيان أن يأتوا بعشر سور مفتريات، بل بسورة واحدة مفتراة، فلما لم يستجيبوا علموا أنه إنما أنزل بعلم الله. هو إذن معجزة المعجزات أو آية الآيات، فأنا قد أعجزك في أشياء كثيرة، إلا أن يتناول إعجازي إياك شؤون فطرتك، فذلك شأن خلاق الفِطَر وحده لا شريك له. ذلك الحدث الضخم في تاريخ الإنسانية يمكن ألا تدركه الأبصار، بل هي لا تدركه بالضرورة إذا أنت قرأت: ((فاتحة الكتاب)) أو ((قل أعوذ برب الناس)) بلغة غير لغة القرآن، أو بعبارة أدق، إذا خيل لك أنك تقرؤها، فواقع الأمر أنه من المستحيل أن تقرأ القرآن بغير لغته.
قال: رويدك. لكأنك تحاج شيخك في مسألة ترجمة القرآن وكأنه أمرٌ أحاوله فأنت في سبيل إقناعي باستحالته. في حين أن حديثي معك لم ينصب أصلا إلا على شعر تأبط شرا في الغول التي قتلها وأخبر خبرها فتيان فَهم.
قلت: فقد جرنا هذا إلى التكاذيب في الشعر والأدب. وكيف هاجرت من الصحراء إلى الحواضر فالتقت بصنف آخر من الإسرائيليات وغيرها. وكيف تزوج الصنفان وأعقبا بنين وبنات، فكان لنا من الترهات والخرافات صرح يعدل صرح الميثولوجيا اليونانية أو غيرها من المثولوجيات القديمات.
قال: صرح مجازا، فهو في الحقيقة أنقاض أو مواد كثيرة ذات ألوان مختلفة