/ صحفة 398 /
روي المسعودي أن أبا حخليفة الفضل بن الحباب الجمحي المتوفي سنة 305 هـ، وكان فصيحاً مُعرِباً لا يتكلف الإعراب بل صار له كالطبع لدوام استعماله إياه من عنفوان حداثته؛ خرج مع بعض أصحابه متفكهين إلى نهر من أنهار البصرة وقد غيروا ظواهر زيهم كي لا يعرفهم لاناس، وكان ذلك أيام المبادئ وهي الأيام التي يثمر فيهما التمر والرطب فيكسبونه في القواصر تمراً وتكون حينئذ البساتين مشحونة بالرجال ممن يعمل في التمر من الأكَرَة وغيرهم، فلما أكاوا قال بعضهم لأبي خليفة غير مُمن له، خوفا أن يعرفه من حضر من العمال في النخل: أخبرني ـ أطال الله بقاءك ـ عن قوله الله عز وجل: ((قوا أنفسكم وأهليكم نارا)) هذه الواو ما موقعها من الإعراب؟ قال أبو خليفة: موقعها رفع، وقوله ((قوا)) هو أمر للجماعة من الرجال. قال له: كيف تقول للواحد من الرجال وللأثنين؟
قال: يقال للواحد من الرجال ((قَ)) وللاثنين ((قيا)) وللجماعة ((قوا)) قال: كيف تقول للواحدة من النساء وللاثنين وللجماعة منهن؟ قال أبو خليفة يقال للواحدة ((قي)) وللاثنتين ((قيا)) وللجماعة ((قين)) قال فأسألك أن تعجل بالعجلة: كيف يقال للواحد من الرجال والاثنين والجماعة، وللواحدة من النساء والاثنتين والجماعة منهن؟.
قال أبو خليفة عجلان: قِ، قيا، قوا، قي، قيا، قين. وكان بالقرب منهم جماعة من الأكرة فلما سمعوا ذلك استعظموه وقالوا: يا زنادقة أنتم تقرءون القرآن بحرف الدجاح وغدوا عليهم فصفعوهم.. فما تخلص أبو خليفة والقوم الذين كانوا معه من أيديهم إلا بعد كرّ طويل.
قلت: إن منا الآن من يريد أن يقرأ القرآن بالحروف الأوردية والسكسوتية واللأتينية وما شئتم من حروف يتكلمها سكان هذه الكرة التي ضاقت بما حملت من لغات وأصحاب لغاب فهم يريدون أن يتخطوها مادَّينَ بسبب إلى القمر أو غيره من السماوات.
قال:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق