/ صحفة 397 /
الذكر الحكيم من ناحية وبين هذه القاعدة من الناحية الأخيرى أعنى قاعدة أخذ العامة بإثم الخاصة متى كنا إزاء فرض كفاية، لقد عرَّقوا فرض الكفاية بأنه الفرض الذي إذا قام به البعض سقط عن الكل وإذا لم يقم به البعض أثم وأثم معه الكل إن التعبير نفسه موضع نظر فهو أولا من حيث الشكل لا يجري مجري الفصيح فهم يكرهون تحلية ((بعض)) و ((كل)) بالألف واللام ثم هو ثانياً من حيث الموضوع يناهض حكما من الأحكام التي صدع بها القرآن وصرح غير ذات أو ذوات، ومتى اقترفت فلا يجوز أن تمتد يد العقاب إلى من عدا هذه الذات التي أجرمت.
قال: على رسلك فأنت تهرف بما لا تعرف.. فأما من حيث الشكل فلست أدري لماذا يضنون على ((كل)) و ((بعض)) بأداة التعريف؟ وسواء أكانت العرب هي التي ضنت أم كان النجاة هم الذين ضنوا؛ فإن أصحاب المنطق والكلام والأول والفقه لم يضنوا على ((كل)) و ((بعض)) بل ((الكل)) و ((البعض)) من الكلمات الشائعة اليت تضطرب في مؤلفاتهم كل مظطرب. وأما من حيث الموضوع فإنك تجهل على السلف، وتسرف في جبلك هذا حين تظنهم قَعَّدُوا قاعدة غافلين عن كتاب الله، بل متناقضين وإياه.
إنهم أخذوا العامة بجريمة الخاصة فيما يبدو لك، وواقع الأمر أنهم لم يأخذوا العامة إلا بجريمتها، فلقد أعطى الإسلام عامة المسلمين حق الرقابة على خاصتهم كي تستقر على السراط السمتقيم فإذا أعوَجَّت.. فالويل لها من جواب ((إذا)) الخافضة لشرطها المنصوبة بجوابها، وهكذا يتبين لك أن العامة تترك شرط إذا معلقاً في حين أن عليها الجواب.. إنه وزرها فلا تجسبنها تزر وزر غيرها في مسألة فرض الكفاية، ألاوإني لزعيم لك أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً هم جميعاً شركاء في هذا الأمر عامتهم وخاصتهم. إلا أن تقيس الإثم بقدر الطاقة.
لقد فهمت العامة منذ كان الإسلام أنها ذات سلطان واسع في الشئون العامة دينية كانت أو دنيوية، وإليك هذه القصة التاريخية فهي مفيدة فيما نحن فيه.